للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- وعباراتها تقوم على الصنعة البديعية من سجع وجناس، وازدواج وطباق ومبالغة، واستعارات على اختلاف يعد ذلك في الإغراب اللغوي، ودرجة التكلف، فلا شك أن الحريري كان أكثر إغرابًا، وأشد تكلفًا ومبالغة من بديع الزمان.

٤- يختلف الأسلوب بعد ذلك بين الوصف، والقصص، والحوار، فيه المديح والهجاء، والجد والمجون، وهو -على صنعته- مختلف بين الرقة واللين والجزالة والقوة، وكثيرًا ما تجد النوعين في مقامة واحدة.

٥- تجمع المقامات إلى هذا النثر الجزل البديعي قطفًا من نظم الرجز وغيره، وليس المنظوم هذا في روعة الشعر الممتاز الذي نجده عند البحتري والمتنبي مثلًا، فهو من إنشاء مؤلفي المقامات، وقد عرفت طبعهم الصناعي ووقوفهم عند غرائب المنثور.

وقد يظن الناس أن المقامات من باب القصة كما يعرفها الأدب الحديث، والحق أن المقامات لا تثبت لقصة من كل ناحية، نعم فيها الحكاية، والحوار والوصف والمغزى النقدي أو الوعظي، ولكنها تنقصها أشياء أخرى تبعدها عن طبيعة القصة، من ذلك عدم التنويع فيها فالأشخاص لا يتغيرون، والحادثة واحدة والحرص على المال سائد فيها.

ومن ذلك التجافي عن التحليل النفسي أو عرض المشاكل وعلاجها، أو الابتكار في تصوير المواهب والأشخاص.

ومن ذلك عدم استكمالها عنصري الحياة -الرجل والمرأة معًا- بأسلوب يبعث المشاكل أو يثير العواطف أو يدرس المسائل الاجتماعية. على أن المواعظ ترد فيهم صريحة مباشرة مقصودة لذاتها. وفوق ذلك فعندي أن أسلوبها في صنعته وغرابته ليس أسلوب الرواية أو القصة التي تعنى بالموضوعات والأفكار التي تهم القراء وحسبها أنها من هذه الناحية مدرسة لغوية أدبية، وليس من اللازم أن نورد هنا أمثلة للمقامات، ونعرض لها بالشرح والتحليل، فهي مشهورة ذائعة، على أن المقام لا يتسع هنا لمثل ذلك.

<<  <   >  >>