الجمال صفة لازمة للأساليب الأدبية، لا غنى لها عنه ما دام الأديب معنيًّا بإمتاع القراء واحترام أذواقهم، ومن السهل معرفة ذلك، فقد تقرأ نصًّا أدبيًّا واضح الأفكار، قوي العاطفة، ولكنك تحس مع هذا أنها نابية عن الذوق، فجة العبارة، لا تمتزج بالنفس.
هذا النقص ناشئ في الغالب عن سقم التعبير، ودليل على خمود الشعور والذوق الأدبي، وهو سبب وحده يكفي للعناية بجمال الأسلوب وموسيقى العبارة لعلنا نستطيع إرضاء ذوق القارئ وخياله فوق عواطفه وعقله.
وهنا نلاحظ أن ليس من جمال الأسلوب في شيء هذه المحسنات البديعية، والصورة الخيالية التي يصطنعها الكتاب عمدًا، ظانين أنها حلى بديعة، أو مدارين بها فقرًا عقليًّا ونقصًا ذوقيًّا، والحق أنها تدخل الأساليب الأدبية حين تدعوها طبيعة المعاني لتقويتها أو إيضاحها، أو حين يلجأ إليها الخيال ليصور بها عاطفة صادقة وانفعالا قويًّا.
والجمال صفة نفسية تصدر عن خيال الأديب وذوقه، فالخيال المصور يدرك ما في المعاني من عمق وما يتصل بها من أسرار جميلة إدراكًا حادًّا رائعًا والذوق يختار أصفى العبارات وأليقها بهذا الخيال الجميل.
وإذا ذكرنا الذوق فإنما نعني الذوق المهذب "الذي صقله الأدب، وشحذته الرواية، وجلته الفطنة، وألهم الفصل بين الرديء والجيد، وتصور أمثلة الحسن والقبح"١ وبذلك تتحقق هذه الصفة الفنية للأسلوب.
الجمال صفة سلبية وإيجابية، يكون بخلو الأسلوب من التنافر والخشونة التي تؤذي الحس والذوق، ثم يجعله صدى صادقًا لجمال الذوق والخيال.