رأينا في الفصل الماضي أن الخطوة الأولى للكاتب إنما هي اختيار الفن الأدبي الذي يعتمد عليه لأداء ما في نفسه من المعاني، فهو مقالة أو قصيدة أو رسالة أو قصة أو خطابة عامة أو محاضرة أو كتاب مؤلف، وبعد ذلك يختار المعاني أو الأفكار والحقائق التي يعتبرها هامة جديرة بموضوعه لجدتها أو قوة تأثيرها أو ملاءمتها لقرائه وسامعيه، ثم يرتب هذه الأفكار ترتيبًا يصل به إلى نتائجها المرادة، سواء اختار طريقة التحليل أم التركيب، فإذا انتقل من ذلك إلى التعبير عنه بعبارات واضحة تكشف عنه فقد تكون له الأسلوب العلمي أو الأدبي بمعناه العام، كما قيل في وصف الشمس:"الشمس كوكب مضيء بذاته وهي أعظم الكواكب المرئية لنا منظرًا، وأسطعها ضوءًا، وأغزرها حرارة، وأجزلها نفعًا للأرض التي نسكنها، والشمس كرة متأججة نارًا، حرارتها أشد من حرارة أي ساعور أرضي، ويبلغ ثقلها ثلاثمائة وزن من ثقل الأرض، وهي أكبر منه جرمًا بثلاثمائة ألف وألف ألف مرة، وتدور الشمس على محورها من الغرب إلى الشرق مرة واحدة في نحو خمسة وعشرين يومًا وتبعد عنا بنحو اثنين وتسعين ألف ألف ميل وخمسمائة ألف ميل، وهي مع كل هذا العِظَم الهائل لا تعد في النجوم الكبرى، بل إن أكثر ما نشاهده من النجوم الثابتة شموس أكبر من الشمس بألوف، والشمس بسياراتها تابع من توابع أحدها"١.