للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثالثا: الرثاء]

الرثاء فن الموت، ولغة الحزن، ومجال اليأس، ومعرض الوفاء، والحزن في الأصل عاطفة سلبية تحمل الإنسان على العكوف على النفس، والتفكير في شأنها فهو انهزام أمام الكوارث، ومدعاة إلى العظة والاعتبار لذلك يكون أسلوب المرائي رقيقًا لينًا وبخاصة إذا صدر عن شاعرة لأن "النساء أشجى الناس قلوبا عند المصيبة وأشدهن جزعا على هالك لما ركب الله عز وجل طبعهن من الخور وضعف العزيمة، وعلى شدة الجزع يبنى الرثاء، فانظر إلى جليلة بنت مرة ترثي زوجها كليبًا حين قتله أخوها جساس ما أشجى لفظها وأظهر الفجيعة فيه وكيف يثير كوامن الأشجان ويقدح شرر النيران"١.

والرثاء كغيره خاضع للتنوع ولقبول معانٍ أخرى متصلة به كوصف الكارثة، وتفخيم آثارها، وذكر فضال الميت واتخاذ مصرعه موعظة، وقد يتسع أفقه فيشمل فلسفة الموت والحياة؛ وينتقل الشاعر فيه من رثاء فرد إلى بكاء قبيلة أو أمة أو دولة أو الدنيا جميعا٢ تبعا لمكانة المتوفى.

لذلك يتعرض الأسلوب لشيء من الاختلاف واضح تبعا لهذه المعاني والأغراض ولكنه مع ذلك لا يكون في قوة الحماسة ولا عذوبة النسيب، فالكلمات تدل على معان سلبية مؤلمة كالفجيعة والكارثة، والجزع، والبكاء، والخراب، والصور من وادي الموت فالبيوت كالقبور والأطفال مروعون والنهار ليل، والأزهار ذابلة واليأس قاتل والأمل مقتول، وأما الجمل فرقيقة تصور الجزع، أو شاكية صاخبة تحكي الفزع. أو جزلة تعبر عن هول المصاب، ومن ذلك تكون العبارة شجية مؤذنة بالأسى والحسرة.

ومن ذلك رثاء ابن الرومي ابنه، وأبو تمام محمد بن حميد الطوسي، والبحتري المتوكل على الله. والمتنبي أمه والمعري فقيها. وكلها مشهورة ومعروفة. ونذكر هنا أبياتًا لديك الجن يرثي جاريته بعد أن قتلها:


١ ابن رشيق: العمدة ج٣ ص٣٢.
٢ المؤلف: هلال أغسطس سنة ١٩٣٨: الرثاء في شعر أبي العلاء؛ وأصول النقد الأدبي ص٢٨٨.

<<  <   >  >>