المشهور في كتب البلاغة١ أن البلاغة لغة تنبئ عن الوصول والانتهاء، يقال: بلغ فلان مراده إذا وصل إليه، وبلغ الركب المدينة إذا انتهى إليها، واصطلاحًا: تكون وصفًا للكلام والمتكلم؛ فبلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال، والحال هو الأمر الداعي للمتكلم إلى أن يميز بكلامه بميزة هي مقتضى الحال فإنكار المخاطب للمعنى حال يقضي أن تؤكد له الجملة فتقول: إن محمدًا ناجح، وذلك التأكيد هو مقتضى الحال. وبلاغة المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ في أي معنى قصد، والبلاغة هذه تستلزم أمرين:
الأول: احتراز الخطأ في تأدية المعنى المقصود خوفا من أن يؤدى بلفظ غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا.
الثاني: تمييز الكلام الفصيح من غيره حتى نضمن سلامة العبارة من الخطأ والتعقيد، فمست الحاجة إلى علمين لتحقق سلامة اللفظ من ناحية، ولملاءمته لمقتضى الحال من ناحية أخرى؛ الأول علم البيان والثاني علم المعاني: وقد يسميان بعلم البلاغة لذلك، ولما كان علم البديع يعرف به وجوه تحسين الكلام جعل تابعًا لهذين العلمين فصارت مباحث البلاغة منحصر في هذه الثلاثة: المعاني والبيان والبديع.