للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الناحية الثانية]

وهناك مظهر ثان لآثار الشخصية في الأسلوب، وهو مقدار الصلة بين اللفظ والمعنى، فمن الأدباء من يطابق بين اللفظ والمعنى، ومنهم من يعنى بأحدهما أكثر من الآخر.

١- والأصل الذي يتصل به هذا المظهر هو أن الغرض من التعبير والبيان إظهار ما في النفس من الحقائق والعواطف والأخيلة، وإيصالها إلى القراء والسامعين، ووسيلة ذلك هي الأسلوب -أو العبارات اللفظية- إذ كانت غايته الإفهام أو التأثير أو هما معًا. ومعنى هذا أن الواجب على الأسلوب تحقيق هذه الغاية تحقيقًا كاملًا، فلا بد أن يكون صادق الأداء، مساويًا للمعنى المراد، لا يزيد ولا ينقص. وقبل ذلك يكون الأديب المنشئ فاهمًا ما يريد أداءه، صادق الشعور به١. وعنده الوسائل اللغوية والتصويرية اللازمة، فإذا ما توافر له ذلك استطاع البليغ أن يحقق المطابقة بين اللفظ والمعنى، وأن يجعل كلا منهما كفئًا للآخر.

وأما القاعدة النفسية أو العلمية لهذه الظاهرة فهي أن ما يتوافر في نفس الأديب من فكرة واضحة أو انفعال صادق يجذب إليه من الألفاظ، والعبارات، والصور ما يلائمه بطريقة تكاد تكون آلية لا تكلف فيها ولا صنعة، وهذا هو المثال الطبيعي للأسلوب، بل هناك هذا الرأي القائل بأنه لا توجد فكرة في الذهن دون لفظ يحددها. ولا توجد عاطفة بغير صورة تمثلها.

وفي هذا المعنى يقول ابن رشيق٢:

"اللفظ جسم وروحه المعنى وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم يضعف بضعفه، ويقوى بقوته. فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصًا للشعر. وهجنة عليه كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور. وما أشبه ذلك غير أن تذهب الروح. وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان للفظ من ذلك أوفر حظا كالذي يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح. ولا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ وجريه فيه على غير الواجب قياسًا على ما قدمت


١ العمدة، ج١،ص٢٨.
٢ نفس المرجع ص٨٢.

<<  <   >  >>