الخطوة الأولى لاختلاف الأساليب تبدأ بالفرق بين الأسلوبين: العلمي والأدبي. وقد رأيت فيما مضى أن الكاتب حين يريد الكتابة في موضوع يجب عليه أولًا أن يختار الأفكار التي يريد أداءها لجدتها أو قيمتها أو ملاءمتها لمقتضى الحال، ثم يرتب هذه الأفكار ترتيبًا معقولًا ليكون ذلك أدعى إلى فهمها وحسن ارتباطها في ذهن القارئ وأخيرًا يعبر عنها بالألفاظ اللائقة بها، فإذا ما فعل ذلك حصل على الأسلوب العلمي، وقد ذكرنا مثال ذلك قبل ونذكر هنا مثالًا آخر نستعين به على بيان ما يمتاز به كل من النوعين؛ فالأسلوب العلمي، كما قيل في وصف الأهرام: "كان القصد من بناء الأهرام إيجاد مكان حصين خفي يوضع فيه تابوت الملك بعد مماته؛ ولذلك شيدو الهرم الأكبر وجعلوا فيه أسرابًا خفية زَلِقَة صعبة الولوج لضيقها، وانخفاض سقفها وإملاسها حتى لا يتسنى لأحد الوصول إلى المخدع الذي به التابوت، ومن أجل ذلك أيضًا سُدَّ مدخل الهرم بحجر هائل متحرك، ولا يَعرف سر تحريكه إلا الكهنة والحراس، ووُضِعَت أمثالُ هذا الحجر على مسافات متتابعة في الأسراب المذكورة. وبهذه الطريقة بقي المدخل ومنافذ تلك الأسراب مجهولة أجيالا من الزمان. ويُعد الهرم الأكبر من عجائب الدنيا. قرر المهندسون والمؤرخون أن بناءه يشمل ٢.٣٠٠.٠٠٠ حجر، متوسط وزن الحجر منها طنان ونصف طن، وكان يشتغل في بناء الهرم مائة ألف رجل يستبدل بهم غيرهم كل ثلاثة أشهر، وقد استغرق بناؤه عشرين عاما. وجميع هذا الهرم شيد من الحجر الجيري الصب ما عدا المخدع الأكبر فإنه من