للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: تداخل الصفات وتعادلها]

صفات الأسلوب أشبه شيء بأنغم الموسيقى أو أدواتها، فكما أن هذه لا بد من تعاونها، وتآلفها لتكوين نغمة تلائم الدور الملحن موضوعًا وغاية، كذلك لا بد من تآزر هذه الصفات وتناسقها حتى يكون الأسلوب متزنًا كاملًا، يغذي العقل، والشعور، ويرضي نواحي النفس الإنسانية معبرًا عنها أو مؤثرًا فيها؛ لأن الأسلوب الواضح الذي تعزه قوة العاطفة يكون بليدًا فاترًا، وإذا لم يظفر بالخيال الجميل كان جافًّا. وتجد ذلك عند من يعنون بالسهولة أكثر من سواها وقع فيه أبو العتاهية، والبهاء زهير، وإلياس بن الأحنف، والأسلوب القوي الذي فقد التفكير الواضح ثرثرة فارغة، والذي ألغى قيمة الذوق الجميل، والتناسب الدقيق، صعب جامد، وقد رأيت مثال ذلك عند ابن هانئ الأندلسي والحجاج الثقفي، أما الأسلوب الحريش على جمال الصور أو الصوت غير مال هذه البساطة الواضحة فإنه يكون زهيدًا، فإذا لم يعن بالعقيدة القوية والإرادة الصارمة عادوهما ميتا، كما بدا ذلك في عصور الانحطاط الأدبي.

وأساس النجاح ألا يسمح الأديب لصفة بالحياة على فناء الأخرى، بل لا بد من توفيرها جميعًا، وحفظ التوازن بينها بدرجة تجعل الأسلوب قائمًا بواجبه خير قيام، وذلك لا يكلف الأديب أكثر من يقظة نفسية، وبراعة أسلوبية، وصدق في الأداء، فنجد روحه سارية في أسلوبه، تحيا فيه ولو أدركه الممات، وإذا كان لا بد من مثال يقرب لنا هذا المثال الذي للأسلوب، فإنك واجده نثرًا عند طه حسين في الأدب الجاهلي خاصة، وعند المتنبي -مثلًا- في هذه الأبيات التي بدأت بها هذه الرسالة، وهأنذا أختمها بها.

<<  <   >  >>