للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: المدح والهجاء

والمديح فن الاحترام والمحبة كما أن الهجاء فن الازدراء والبغض، وهما متعادلان في الأسلوب وإن كانا متقابلين في باعثهما الوجداني، وللنقاد السابقين كلام كثير في أصول هذين الفنين نجده في العمدة لابن رشيق ونقد الشعر لقدامة الوسطاة للقاضي الجرجاني. فالمديح يكون ملائمًا لطبقة الممدوح: لوظيفته في الحياة ملكًا كان أو قاضيًا أو قائدًا أو كاتبًا كما يحسن أن يتجه إلى الأعمال والآثار فيكون موضوعيًّا. ويحسن أن يبرأ الهجو من الفحش والسباب، وأن يخرج مخرج السخرية والتعريض مع قرب المعاني وسهولة الحفظ، ومع اختلاف العبارات باختلاف المعاني التي يتناولها كل من الفنين، نجد أسلوبهما متوسطًا على العموم فليس كالحماسة العنيفة ولا النسيب الرقيق، وإنما يخضع للجزالة غالبًا وللسهولة أحيانًا، ويذكرون زهيرًا والنابغة والحطيئة من السابقين الموفقين في هذا الباب لما اجتمع لهم من جزالة الأسلوب والقصد في المعاني والأوصاف كقول الحطيئة يمدح بني بغيض ويعرض بقرنائهم من بني سعد:

يسوسون أحلامًا بعيدًا أناتها ... وإن غضبوا جاء لحفيظة والجد١


١ الأحلام: العقول، الأناة: الوقار والحلم، الحفيظة: المحافظة، يقول إنهم يحلمون ما لم يضاموا وإلا فزعوا يدفعون عن كرامتهم.

<<  <   >  >>