أ- وقد يكون الأسلوب الأدبي شعرًا، فتبدو فيه مظاهر لفظية تلائم طبيعة هذا الفن الشعري، وإن لم تكن في أصلها خاصة به، بل يشاركه النثر الأدبي فيها إلى حد ما، وبيان ذلك بالإيجاز، أن النثر الأدبي يمتاز من النثر العلمي بدخول عنصر العاطفة "الانفعال" في تكوينه، فكان لذلك آثاره الأسلوبية التي ذكرت في الفصل الماضي، فإذا تجاوزناه إلى الشعر رأينا أن الشعر كذلك يعبر عن العاطفة والفكرة ويتخذ الخيال المصور، العبارة الموسيقية، وسيلة إلى هذه الغاية البيانية، وهذا طبعي إذا كان الفنان -الشعر والنثر والأدبي- أدبًا، يصور العقل والشعور كما سبق بيانه، فليس هناك إذًا تضاد مطلق بين الشعر والنثر، وإنما تقوم الصلة بينهما على اتحاد موضوعي واختلاف شكلي.
ب- ناحية الاتحاد تظهر أن كلا منهما يتناول الموضوعات التي يتناولها صاحبه مما يتصل بالإنسان والطبيعة؟ فالحماسة والعتاب والمدح والهجاء والغزل والرثاء والوصف والاعتذار، فنون الشعر كما هي فنون النثر الأدبي.. وكل منهما يتناول الأشياء بالطريقة الفنية التي تبدو فيها شخصية الأديب، وتكون معرضًا لانفعالاته وأخيلته وعباراته الخاصة ومزاجه الممتاز، وقد رأيت أن العناصر التي يتألف منها النثر الأدبي تتوافر في الشعر أيضًا ومعنى هذا أن طبيعة كل منهما تتصل بالأخرى، وأنهم جميعاً غذاء العقل والشعور، وأن هذه الظواهر اللفظية التي تذكر في أسلوب الشعر إنما تعد فيه أقوى مظهرًا، وأحسن ملاءمة.