جـ- وأما ناحية الاختلاف فتقوم على اعتبار أن النثر تغلب عليه صفة الإفادة والشعر تسوده صفة التأثير؛ فمهما يكن النثر أدبيًّا فنيًّا فإنه ينزع دائما إلى طبيعته التقريرية وأصله العقلي النافع الذي يظهر واضحا في النثر العلمي في حين أن الشعر مهما يكن عقليا فإنه يتشبث دائما بطبيعته الرمزية وأصله الموسيقي الجميل الذي تسمعه حماسة قوية، ونسيبا رقيقا، ووصفا جميلا، ورثاء حزينا، حتى قيل: إن الفكرة أصل في النثر والعاطفة مساعد، وعكس ذلك في الشعر حيث تتصدر العاطفة متكئة على حقيقة تسندها وتبعث فيها الصدق والقوة والبقاء، وعلى ناحية الخلاف الشكلية هذه تقوم المظاهر التي تتراءى في أسلوب الشعر، وهي ظواهر تميزه كما لا كيفا، أي أنها ترى الشعر بدرجة أسمى مما ترد في النثر الأدبي.
ولنذكر لأسلوب الشعر هذا المثال من قول شوقي في الأهرام:
قف ناج أهرام الجلال وناد ... هل من بناتك مجلس أو ناد
نشكو ونفزع فيه بين عيونهم ... إن الأبوة مفزع الأولاد
ونبثهم عبث الهوى بتراثهم ... من كل ملق للهوى بقياد
ونبين كيف تفرق الإخوان في ... وقت البلاء تفرق الأضداد
إن المغالط في الحقيقة نفسه ... باغ على النفس الضعيفة عاد
قل للأعاجيب الثلاث مقالة ... من هاتف بمكانهن وشاد
لله أنت! فما رأيت على الصفا ... هذا الجلال، ولا على الأوتاد
لك كالمعابد روعة قدسية ... وعليك روحانية العباد
أسست من أحلامهم بقواعد ... ورفعت ممن أحلاقهم بعماد