له وبخاصة إذا كان مؤرخا أو ناقدًا، والصرف يفيد في التصرف في الكلمات تبعًا للمعاني المتباينة كما بقي الأديب الخروج عن الأصول المرعية حين التصرف والتصريف بالجمع والتصغير والنسب والإبدال والتوكيد وبناء المشتقات، وأما النحو فمهمته تصحيح التراكيب والعبارات متخذًا المعاني الجزئية مقياسه لذلك يظهر أثره الواضح في حسن التأليف وسلاسة العبارة والحرص على دقة المعنى ووضوحه، فالنحو لا يقف عند حركات الإعراب بل يشمل موسيقى العبارات ومنطق المعاني، والأذن تتأذى من الأخطاء النحوية. كما يتأذى العقل من التعقيد اللفظي والمعنوي جميعًا والعروض للناظم هو مقياسه الموسيقى والخطأ العروضي كالخطأ النحوي فهذه التفعيلة التي تتكرر في السطر تحفظ وحدته الوزنية ثم تحفظ وحدة البيت حين تتكرر في سطره الثاني، وتكرار الوزن في كل بيت يحفظ للقصيدة وحدتها الموسيقية، كما أن وحدة القافية ضبط لهذه النعمة الأخيرة التي تنتهي بها الأبيات جميعًا، هذا هو الكثير الشائع فإذا تركناه إلى تعدد البحور والقوافي لم نعدم الموسيقى العروضية، وإنما نكون قد ظفرنا منها بتنوع لا يرفضه الذوق على الإطلاق.
٨- هذه هي العلوم الأدبية المباشرة أجملنا القول فيها لبيان مكانة البلاغة بينهما، ولهذه الصلات التي تربطها بالأدب ربطًا قويًّا مباشرًا لا يليق بالمتأدب تجاهله، على أن الأدب والأديب لا يكتفيان بما ذكرنا هنا، بل لا بد لكمالها من هذه الثقافة العامة التي قال عنها الأقدمون إنها الأخذ من كل فن بطرق١، وهذه الثقافة تتناول الفلسفة والتاريخ والدين والقانون والفنون الجميلة وغيرهما؛ إذ إن الأدب يختصرها في نصوصه، والأديب يحتاج إليها منشئًا أو ناقدًا أو مؤرخًا كما سبق بيانه وقد عقد ابن الأثير في صدر كتابه المثل السائر فصلًا في آلات علم البيان وأدواته يحسن الرجوع إليه لمن أراد.