طه حسين يضع مراجعه خلفه، ومصطفى عبد الرازق يضعها أمامه، وأحمد أمين يضعها بجانبه.
طه حسين يدعو إلى المناهج الحديثة، ويتحدى المحافظين مستفزًا ثائرًا، وأحمد أمين يطبق هذه المناهج، ويقنع المحافظين هادئًا معتدلًا، ومصطفى عبد الرزاق يختار من هذه المناهج، محتاطًا محبوبًا رزينًا.
طه حسين يعرض نفسه فقط، ويكتب بأسلوبه القوي، وأحمد أمين يعرض نفسه وغيره، ويكتب بأسلوبه الواضح، ومصطفى عبد الرزاق يعرض العلم والعلماء بأسلوبه الجميل.
وإذ أردت أن تعرف ذلك فارجع إلى هذه الكتب التي ذكرت تجد طه حسين داعيًا، جريئًا، متحديًّا، يعرض نظرياته وآراءه في سرعة كأنه يريد من الزمن الإسراع، ويفرض على بنيه الفروض، يشير إلى المراجع جملة، كأنها معروفة ومقروءة، ثم يبني ما شاء من النتائج في ثقة وبراعة لم تسلم من السخرية والفكاهة، وأسلوبه هنا يغلب عليه التقرير العلمي، وإن لم يسلم من الصفات الأدبية المعروفة.
وأحمد أمين هادئ، موضوعي، مخلص للحقائق، يساير الزمن، ويعرض مصادره، وشواهده، مستشيرًا ناقدًا، ثم يستعين بها أمامك وينتهي إلى نتائجه في قصد بأسلوبه العلمي الخالص.
ومصطفى عبد الرزاق يجمع الوثائق في أمانه ونظام، ويعرضها عليك منسقة في سلك منطقي، وذوق أدبي، تتحدث بنفسها عن حقيقتها، وينتهي إلى نتائجها، دون أن يلح في الظهور، فكأن الحياء الجميل، والتواضع الجم،