للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا توقف فيها، ولا تكلف؛ لأن البحتري يستلهم طبعه السمح ونفسه الراضية وعاطفته الرقيقة الصادقة، وذوقه الفني الجميل١.

ولأبي تمام:

لو حار مرتاد المنية لم يجد ... إلا الفراق على النفوس دليلا

قالوا: الرحيل، فما شككت بأنها ... نفسي من الدنيا تريد رحيلا

الصبر أجمل غير أن تلددًا ... في الحب أحرى أن يكون جميلا

أتظنني أجد السبيل إلى العزا؟ ... وجد الحمام إذًا إلي سبيلا

رد الجموح الصعب أسهل مطلبا ... من رد دمع قد أصاب مسيلا

ذكرتكم الأنواء ذكرى بعضكم ... فبكت عليكم بكرة وأصيلا

إني تأملت النوى فوجدتها ... سيفًا على أهل الهوى مسلولا

ترى آثار عقله وصنعته وحذره وأناته وذكائه٢، في التنسيق المنطقي وإحكام التركيب شرطًا، وجزاء، واستثناء، وترتيبًا، واستنباطًا، فعبارته كالموسيقى المقسمة المتئدة، أو الماء الجاري بين الصخور، يتمهل ليظفر بالمنافذ والمسارب.

وللمتنبي:

وللسر مني موضع لا يناله ... نديم ولا يفضي إليه شراب

وللخود مني ساعة ثم بيننا ... فلاة إلى غير اللقاء تجاب٣

وما العشق إلا غرة وطماعة ... يعرض قلب نفسه فيصاب


١ راجع في الفصل السابق ما كتب عن شخصية البحتري.
٢ راجع ما كتب عن شخصية أبي تمام في الفصل السابق.
٣ الخود: الفتاة الناعمة، والفلاة: الصحراء الواسعة. تجاب: تقطع.

<<  <   >  >>