٢- الوثوق من أن العناصر التركيبية التي يرتبط بعضها ببعض في المعنى -كأصل وتابع أو معنى وضده- قد ركبت بنظام دقيق، وتأليف منسق بحيث لا يتعب القارئ في تبين هذه الصلات بين الأجزاء، فينصرف عن المعنى ويجهد عقله في غير نفع، فإذا رجعت إلى المثال السابق وقرأت الجملة الأولى وحدها رأيت الكاتب بعد ما ذكر الفعل والفاعل والمفعول، يقيد ذلك بقوله:بلطف، ثم بقوله: من غير خبرة؛ لأن القيدين لا زمان لإتمام المعنى الأول، ثم يقابل ذلك في الجملة الثانية بتأليف هو كالأول تمامًا، ويسير بهذا النظام والتقسيم حتى ينتهي إلى غايته، فنجا من التعقيد.
٣- بعد ذلك تأتي مراعاة الجمل معًا وما يكون بينها من فصل أو وصل، وما يربطها من حروف العلة، أو الحال، أو الاستثناء، بحيث لا يترك فواصل دون داع، ولا يغفل حرف وصل حيث يجب ذكره، ولا توجد فكرة دون التمهيد لها.
وهنا يتراءى الوضوح التام للأسلوب جملة، وإذ تجده سلسلة لفظية لسلسلة معنوية وتكون الأولى موسيقى عقلية هادئة عميقة كمثال النثر السابق، وكقول الشريف الرضي:
ولقد وقفت على ربوعها ... وطلولها بيد البلى نهب
بكيت حتى ضج من لغب ... نضوى، ولج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمد خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
فانظر إلى واو الحال أول الشطر الثاني، والفاء صدر البيت الثاني، وحتى التي تفيد الغاية، ثم قوله: فمذ وجملة تلفت القلب. وتلك الروابط عنصر هام في اللغة إذ فقدتها عادت الأفكار والتراكيب مفككة بغير نظام.