٣- الأسلوب البلاغي -كالأسلوب الموسيقي والتصويري- معرض لأخطاء يقع فيها الطالب ويجب التنبه لها والحرص منها بإخلاص شديد، منها التهاون الذي يدفع بالأديب إلى التعابير المحفوظة والتراكيب المبتذلة دون التفكير في معانيها ومقدار ملاءمتها للغرض المقصود، وهذا هو التقليد الأعمى والكسل الضار، ومنها الثقة العمياء بالنفس والاعتداء بالمهارة الشخصية وعدم الصبر على المرانة اللازمة لتقويم الأساليب يظهر عند من تسهل عليهم الكتابة وتكون طبائعهم فياضة، فيظنون -خطأ- أن استعدادهم كفيل بالنجاح. ومنها الشغف بالمحسنات البديعية وتكلف الإغراب والمبالغة، ومعنى هذا أن الكاتب يعنى بالثوب الذي يلبس المعنى أكثر من عنايته بالمعنى ذاته؛ فيصبح الأدب أشبه بالحرف اليدوية يعمل لذات الألفاظ، مع أن الفن البلاغي لم يوجد إلا لنشر الأفكار وخدمة المعاني التي يجب أن تستقر في نفوس الآخرين، وقد وجد في تاريخ الأدب العربي جماعة من الكتاب جعلوا همهم الصناعة اللفظية وغلبوا جانب الألفاظ على ناحية المعاني والموضوعات، ستجد أمثلة منهم فيما يرد عليك في دراسة الأساليب.
٤- هناك فكرة شائعة بين الفنيين كثيرًا ما يتشبث بها طلاب البلاغة، هي أن تقييد الفن ورجاله بالقوانين الموضوعة يطغى على حرية الطالب ويحد من كفايته -وقد يكبت نبوغه المرجو- على أن هذه الأساليب التي تتراءى أول ظهورها شاذة غريبة كثيرًا ما تصبح بعد حين مألوفة مقررة أو مستحبة متبعة، فإذا خرجنا البلاغة على النظرية ألغينا جهود السابقين وعرضنا الناشئ لتجارب خطيرة قد تضره، وخير للطالب أن ينتفع بآراء السابقين لتكون له نقطة ابتداء وإرشاد، وله بعد ذلك أن يبتكر ما شاء في ظل هذه الآثار وعلى هدى من أصول البلاغة حتى لا يصاب بالشطط، وعن هذا الأساس تجد المعاهد العلمية تأخذ الطالب بدراسة الأدب القديم والحديث معًا لعلها تعرض عليه بذلك ما يختار منه خير مساعد له على الإفادة والنبوغ.