ولولا أن عبارات اللغة كلمات موضوعة لمعان فكرية محدودة، لكانت العبارات غناء وألحانًا كما كانت قديمًا، أو كانت موسيقى مجلجلة، أو جميلة مؤثرة، أو متنوعة. ومع ذلك -أو على الرغم من ذلك- نجد العبارات الأدبية تحتال دائمًا -مع تأثرها بالمعاني العقلية- لتكون صورة لموسيقى النفس إلى درجة محمودة.
فالكلمات رشيقة ذات جرس خاص، تحكي صوت الطبيعة التي تصفها، والألوان التي تصورها، والجمل موجزة مقسمة حرة في تكوين عناصرها تخضع لشيئين: الصحة النحوية، والموسيقى الأدبية، وعن ذلك نشأت البحور في الشعر، والقافية فيه وفي النثر.. وعن ذلك ينشأ الأسلوب المثالي الذي يختصر في هذه الكلمة القديمة: ائتلاف اللفظ والمعنى.
والنتيجة الطبعية لكل ما سبق من:
١- اختلاف درجة الانفعال في القوة.
٢- وصدق التعبير عنها باللغة، أن الأسلوب نفسه يختلف باختلاف معناه الوجداني، فالعبارة التي تصور الغضب أو السخط أقوى من تلك التي تعبر عن الحزن أو الخوف أو الوله أو الخذلان.
ومعنى هذا أيضًا أن أسلوب الحماسة أو الوعيد أقوى من أسلوب النسيب أو الاعتذار أو الرثاء؛ ونجد وصف الطبيعة أو المدح أو الخمريات أو الحكمة متوسطًا، كما أن الوصف العام الذي يتناول كل شيء مختلف حسبما يتناول من قائع حربية، أو أصوات طبعية، أو حوادث هامة، فهو صادق على كل هذه الفنون.
هذا هو القانون العام الذي تخضع له الأساليب الأدبية عامة، وأساليب الشعر خاصة، ولنسرع فنذكر هنا مثالا يوضح ما ذكر. قال بشار بن برد مفتخرًا:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما