والذي يدل على ذلك أيضًا أنه إذا اعترض عليها بأدنى شيء بطل عملها واكتفى به، كقولهم "إن بك يَكْفُلُ زيدٌ" كأنها رضيت بالصفة لضعفها، وقد روي أن ناسًا قالوا:"إن بك زيد مأخوذٌ" فلم تعمل "أن" لضعفها؛ فدلَّ على ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن هذه الأحرف تعمل في الخبر، وذلك لأنها قويت مشابهتها للفعل؛ لأنها أشبهته لفظًا ومعنًى، ووجه المشابهة بينهما من خمسة أوجه؛ الأول: أنها على وزن الفعل، والثاني: أنها مبنية على الفتح كما أن الفعل مبنيّ على الفتح، والثالث: أنها تقضي الاسم كما أن الفعل يقتضي الاسم، والرابع: أنها تدخلها نون الوقاية نحو "إنني، وكأنني" كما تدخل على الفعل نحو "أعطاني، وأكرمني" وما أشبه ذلك. والخامس: أن فيها معنى الفعل؛ فمعنى "إن، وأن" حَقَّقْتَ، ومعنى "كأن" شبهت، ومعنى "لكن" استدركت، ومعنى "ليت" تمنيت، ومعنى "لعل" ترجيت، فلما أشبهت الفعل من هذه الأوجه وجب أن تعمل عمل الفعل، والفعل يكون له مرفوع ومنصوب، فكذلك هذه الأحرف ينبغي أن يكون لها مرفوع ومنصوب؛ ليكون المرفوع مشبهًا بالفاعل والمنصوب مشبهًا بالمفعول، إلا أن المنصوب ههنا قُدِّم على المرفوع لأن عمل "إنَّ" فرعٌ، وتقديم المنصوب على المرفوع فرع؛ فألزموا الفرع الفرع، أو لأن هذه الحروف لما أشبهت الفعل لفظًا ومعنًى ألزموا فيها تقديم المنصوب على المرفوع ليعلم أنها حروف أشبهت الأفعال، وليست أفعالًا، وعدم التصرف فيما لا يدل على الحرفية؛ لأن لنا أفعالا لا تتصرف؛ نحو "نعم، وبئس، وعسى، وليس، وفعل التعجب، وحبذا"
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن هذه الأحرف إنما نصبتْ لشبه الفعل؛ فينبغي أن لا تعمل في الخبر؛ لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع" قلنا: هذا يبطل باسم الفاعل؛ فإنه إنما عَمِلَ لشبه الفعل، ومع هذا فإنه
= ضرورات الشعر، فإما المحققون من النحاة فقد أجروا نصب المضارع في هذا البيت على القياس، وذكروا أن شرط النصب متحقق، وأن "إذن" واقعة في صدر الجملة، وبيان ذلك أن خبر أن محذوف، وأن جملة "إذن أهلك" مستأنفة وتقدير الكلام: إني لا أستطيع ذلك إذن أهلك أو أطير، وقد ذكر الفراء في عدة مواضع من تفسيره أن "إذن" إذا وقعت بعد "إن" ووقع بعدها مضارع جاز في هذا المضارع الرفع والنصب، وأن كل واحد منهما لغة من لغات العرب، وأن ذلك مختص بوقوعها بعد إن، وقد ذكر المؤلف في ردّه تقدير خبر إن محذوفًا.