للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على هذا فنذكر فساده في الجواب عن كلماتهم، إن شاء الله تعالى.

ما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقول الشاعر:

[١٦١]

خلا أن العتاق من المطايا

فنقول؛ لا نسلم ههنا أن الاستثناء وقع في أول الكلام، فإن هذا الشعر لأبي زُبَيْدٍ، وقبل هذا:

[١٦١]

إلى أن عَرَّسُوا وأَغَبَّ منهم ... قريبًا ما يُحَسُّ له حَسِيسُ

خلا أن العتاق من المطايا ... حَسِينَ به فهنَّ إليه شُوسُ

وأما قول الآخر:

[١٦٢]

وبلدة ليس بها طُورِيُّ ... ولا خلا الجن بها إِنْسيُّ

فتقديره: وبلده ليس بها طوريُّ ولا إنسيُّ خلا الجن، فحذف إنسيًّا، فأضمر المستثنى منه، وما أظهره تفسير لما أضمره، وقيل: تقديره ولا بها إنسيّ خلا الجنّ؛ فـ "بها" مقدرة بعد "لا" وتقديم الاستثناء فيه للضرورة؛ فلا يكون فيه حجّة.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنه قد ضارع البَدَلَ. قولهم "لو كان الأمر كما زعمتم لوجب انه لا يجوز تقديمه على المستثنى منه، كما لا يجوز تقديم البدل على المبدل منه" قلنا: هذا فاسد؛ لأن المستثنى لما تَجَاذبه شَبَهان: أحدهما كونه مفعولًا، والآخر كونه بدلًا؛ جعلت له منزلة متوسطة، فجاز تقديمه على المستثنى منه، ولم يجز تقديمه على الفعل الذي ينصبه، عملًا بكلا الشبهين، على أن من العرب من يجوز البدل مع التقديم، فيقول: ما جاءني إلا زيدٌ أحدٌ؛ فيرفع على البدل مع تقديمه على المبدل منه١؛ لأن هذا التقديم التقدير به التأخيرُ، وإن كانت اللغة الفصيحة العالية النصب، والله أعلم.


١ الشاهد عليه بيت حسان الذي رويناه لك في شرح الشاهد ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>