مثلك يثني المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع مع غربه وقالوا: غيري يخوف بالتهديد، وغيري يقنع باليسير، وغيري يفعل كذا، وهم يريدون أنا لا أخوف بالتهديد، وأنا لا أقنع باليسير، وأنا لا أفعل كذا، ومنه قول الشاعر وهو المتنبي: غيري بأكثر هذا الناس ينخدع ... إن قاتلوا جبنوا أو حدثوا شجعوا وكذلك قول الآخر: وهو أبو تمام: وغير يأكل المعروف سحتًا ... وتشحب عنده بيض الأيادي وقد سبقهما إلى مثل ذلك عنترة بن شداد العبسي في قوله: سواي يهاب الموت أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يعيش مخلدا وهذا أبلغ من أن يقول: أنا لا أهاب الموت، وأنا لا آكل المعروف سحتًا، وأنا لا أنخدع بأكثر الناس، أما أن المراد بهذا الكلام ما ذكرناه فقد أوضحه الشاعر في قوله: ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فردًا بلا مشبه وأما أنه أبلغ مما لو صرحت بالضمير المنفصل وحذفت المثل والغير فلأنه كناية، والكناية -كما هو مقرر- أبلغ من التصريح؛ لأنها تساوي عند التحقيق ذكرى الدعوى مع إقامة البينة عليها.