للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد بل رُبَّ جَوْزِ، ولا يقول أحد إن بل تجر. وكذلك تضمر بعد الفاء قال الشاعر:

[٢٤٠]

فَخُورٍ قد لَهَوْتُ بهنَّ عِينٍ

وليست نائبةً عنها، ولا عوضًا منها.

والذي أعتمد عليه في الدليل على أن هذه الأحرف -التي هي الواو والفاء وبل- ليست نائبة عن رُبَّ ولا عِوَضًا عنها أنه يحسن ظهورها معها، فيقال "ورُبَّ بلد" و "بل ربّ بلد" و "فربّ حُورٍ" ولو كانت عوضًا عنها لما جاز ظهورها معها؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض. ألا ترى أن واو القسم لما كانت عوضًا عن الباء لم يجز أن يجمع بينهما؛ فلا يقال "وبالله لأفعلنَّ" وتجعلهما حرفَيْ قسم، وكذلك أيضًا التاء، لما كانت عوضًا من الواو كما كانت الواو عوضًا من الباء لم يجمع بينهما؛ فلا يقال: "وتالله" وتجعلهما حرفي قسم؛ لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض، فأما قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: ٥٧]


[٢٤٠] هذا صدر بيت للمتنخل الهذلي، واسمه مالك بن عويمر، والبيت مع بيت سابق عليه هكذا:
فإما تعرضن سليم عني ... وتنزعك الوشاة أولو النباط
فحور قد لهوت بهن عين ... نواعم في المروط وفي الرياط
والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص١١١١" والأشموني "رقم ٥٧٧" وسليم: مصغر سلمى تصغير الترخيم، وقد حذف حرف النداء، والحور -بضم الحاء- جمع حوراء وهي التي اشتد بياض بياض عينها واشتد مع ذلك سواد سوادها، والعين -بكسر العين- جمع عيناء، وهي الواسعة العين، ويروى "قد لهوت بهن حينا" والنواعم: جمع ناعمة، وهي التي ترفل في النعيم، والمروط: جمع مرط -بكسر الميم وسكون الراء- وهو الثوب من الخز، والرياط: جمع ريط، وهو ضرب من الثياب، والاستشهاد بالبيت في قوله "فحور" حيث جر لفظ "حور" برب المحذوفة بعد الفاء، ونظير ذلك في هذا قول امرئ القيس -في رواية- وهو من شواهد سيبويه "١/ ٢٩٤":
فمثلك حبلي قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تماثم محول
قال سيبويه بعد إنشاده "أي رب مثلك، ومن العرب من ينصبه على الفعل" ا. هـ، أي يجعله مفعولا به تقدم على عامله -وهو طرقت- لكونه مما يتعدى إلى المفعول به ولم ينصب مفعولا، فأما في بيت الشاهد فلا يجيء ذلك، ونظيره أيضًا قول ربيعة بن مقروم الضبي وهو من شعر الحماسة ومن شواهد الرضي "انظر الخزانة ٤/ ٢٠١".
فإن أهلك فذي حنق لظاه ... على تكاد تلتهب التهابا
يريد فإن أهلك فرب ذي حنق إلخ، يعني إن أهلك فإني كثيرًا ما تركت مغيظًا محنقًا قد ألهبت قلبه وأشعلت نيران ضغنه بسبب ما جدلت وصرعت من ذوي قرباه مثلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>