للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "بِلَهْفَا" فحذف الألف اجتزاء بالفتحة عنها، فكذلك ههنا: حذف الواو من "ذو" اجتراء بالضمة عنها، وصُيِّرا كلمةً واحدة، وإذا كانا مركبتين من مِنْ وذو التي بمعنى الذي؛ فالذي اسم موصول يفتقر إلى صلة وعائد، والصلة لا تخلو: إما أن تكون من مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، فإذا قلت: "ما رأيته مذ يومان" أو "منذ ليلتان" فالتقدير فيه: ما رأيته من الذي هو يومان، فحذف "هو" الذي هو المبتدأ، وبقي الخبر الذي هو يومان، وحَذْفُ المبتدأ من الاسم الموصول جائز كقولك: "الذي أخوك زيد" أي: الذي هو أخوك زيد، والذي يدل على جوازه قولهم: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا" أي: ما أنا بالذي أنا١ قائل لك شيئًا، وهذا كثير في كلامهم، فأما إذا كان الاسم بعدهما مخفوضًا فهو مخفوض بمن؛ ولهذا إذا ظهرت النون في منذ كان الاختيار الخفض، وإذا لم تظهر كان الاختيار الرفع.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مرفوع ما بعدهما لأنه خبر عنهما، وذلك لأن مذ ومنذ معناهما الأمد، ألا ترى أن التقدير في قولك: "ما رأيتُهُ مذ يومان، ومنذ ليلتان" أي: أمَدُ انقطاع الرؤية يومان، وأَمَدُ انقطاع الرؤية ليلتان، والأمد في موضع رفع بالابتداء؛ فكذلك ما قام مقامه، وإذا ثبت أنهما مرفوعان بالابتداء وجب أن يكون ما بعدهما خبرًا عنهما، وإنما بنيا لتضمنهما معنى من وإلى، ألا ترى أنك إذا قلت: "ما رأيته مذ يومان، ومنذ ليلتان" كان معناه: ما رأيته من أول هذا الوقت إلى آخره، وبنيت مذ على السكون لأنه الأصل في البناء، وبنيت منذ على الضم لأنه لما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين حركت بالضم؛ لأن من كلامهم أن يُتْبِعُوا الضم الضم، كما قالوا: "رُدُّ يا فَتَى"، والشواهد على ذلك كثيرة جدًّا، وقد ذكرنا ذلك في مواضعه؛ فلا يفتقر إلى ذكره ههنا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنهما مركبتان من من وإذ" قلنا: لا نسلم، وأي دليل يدل على ذلك؟ وهل يمكن الوقوف عليه إلا بوحي أو تنزيل؟ وليس إلى ذلك سبيل!


= بهذا البيت قوله "بلهف" فإن أصل الكلام: بقولي يا لهفا، على أن اللهف مضاف إلي ياء المتكلم ثم قلبت الكسرة التي قبل ياء المتكلم فتحة وقلبت الياء ألفًا، ثم حذف هذه الألف المنقلبة عن ياء المتكلم مجتزئًا بالفتحة التي قبلها لأنها ترشد إليها وتدل عليها، على نحو ما ذكرناه في الشواهد السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>