للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: "إن من العرب من يقول في مُنْذُ مِنْذُ بكسر الميم" قلنا: أولا هذه لغة شاذة نادرة لا يعرج عليها؛ وليس فيها حجة على أنها مركبة من من وإذ، وإنما هي لغة نادرة بكسر كما جاءت اللغة الفصيحة المشهورة بالضم، فهو من جملة ما جاء على لغتين الضم والكسر، والضم أفصح، فأما أن تدل على أنها مركبة من من وإذ فكَلَا!.

وقولهم: "إن الرفع بعدهما يكون بتقدير فعل، والتقدير فيه: مذ مضى يومان، ومنذ مضى ليلتان، اعتبارًا بإذ، والخفض يكون بعدهما اعتبارًا بمن" قلنا: هذا باطل؛ لأن الحرفين إذا ركبا بطل عمل كل واحد منهما مفردًا، وحدث حكم آخر، كما قلنا في "لولا، ولوما، وإلَّا" وما أشبه ذلك، وقد ذكرنا ذلك مستقصى في مسألة الاستثناء.

وهذا هو الجواب عن قول الفراء "إنهما مركبتان من من وذو التي بمعنى الذي" والذي يبطل ما ذهب إليه الفَرَّاء أن "ذو" التي بمعنى الذي إنما تستعملها طيّئ خاصة، و "منذ يومان" بالرفع مستعمل في لغة جميع العرب، فكيف استعملت العرب قاطبةً ذو بمعنى الذي مع مِنْ -على زعمكم- دون سائر المواضع؟ وهل ذلك إلا تحكم محض لا دليل عليه؟

وقولهم: إن التقدير فيه مِنَ الذي هو يومَانِ فحذف المبتدأ الذي هو هو، كقولهم: الذي أخوك زيد، أي الذي هو أخوك" قلنا: وهذا أيضًا لا يستقيم؛ لأن حذف المبتدأ من صلة الاسم الموصول لا يجوز في نحو "الذي أخوك زيد" أي: الذي هو أخوك، وإنما يجوز ذلك جوازًا ضعيفًا إذا طال الكلام؛ كقولهم: "الذي راغب فيك زيد، وما أنا بالذي قائلٌ لك شيئًا"١، وما أشبه ذلك، على أن من النحويين من يجعل الحذف في هذا النحو أيضًا شاذا لا يقاس عليه، وإذا كان شاذًّا لا يقاس عليه مع طول الكلام فمع عدمه أولى؛ فدل على فساد ما ذهب إليه، والله أعلم.


١ المثال الذي يذكره النحاة "ما أنا قائل لك سوءا" فلعل ما هنا مصحف عنه، وقد تكرر هذا المثال في كلام المؤلف، وانظر ص٣٢٣ السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>