إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير ممن يحب القليل وموطن الاستشهاد بالبيت قوله "وكلا ليس منك قليل" فإن المؤلف قد ذهب إلى أن "كلا" في هذه العبارة بمعنى حقا، وهذا شيء قاله الكسائي ومتابعوه، فأما سيبويه والخليل والمُبَرِّد والزجاج وأكثر البصريين فقالوا: إن كلا حرف معناه الردع والزجر، لا معنى له عندهم إلا ذلك، وقال الكسائي: قد يخرج "كلا" عن الردع والزجر فيكون بمعنى حقًّا وقال أبو حاتم ومتابعوه: قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون بمعنى "ألا" الاستفتاحية، وقال النضر بن شميل والفراء ومن تابعهما: قد يخرج كلا عن معنى الردع والزجر فيكون حرف جواب بمعنى إي ونعم، وحمل هؤلاء على ذلك قول الله تعالى: {كَلَّا وَالْقَمَر} فقالوا: المراد -والله أعلم- إي والقمر. [٢٦٠] هذا البيت من كلام أبي زبيد الطائي من كلمة يمدح فيها الوليد بن عقبة، ويصف نعمة أنعمها عليه مع بعده وتنائيه عنه، وهو من شواهد سيبويه "١/ ٢٨١" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ٩٢٥" وقوله "خصني مودته" أراد أن يقول: خصني بمودته، فحذف حرف الجر، وأوصل الفعل إلى المجرور بنفسه فنصبه، والمكفور: اسم المفعول من قولهم "كفر فلان النعمة" إذا جحدها ولم يقم بحقها من الشكر، ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله "لعندي غير مكفور" حيث أدخل لام الابتداء على الظرف ولم يدخلها على خبر إن، وأصلها أن تدخل على خبر إن أو اسمها المتأخر عن خبرها، فأصل الكلام هنا: لغير مكفور عندي.