للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في همزة أيمن أن تكون همزة قطع، لأنه جمع، إلا أنها وُصِلَتْ لكثرة الاستعمال؛ وبقيت فتحتها على ما كانت عليه في الأصل، ولو كانت -على ما زعمتم- في الأصل همزة وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة على حركتها عندكم في الأصل. والذي يدل على أنها ليست همزة وصل أنها ثبتت في قولهم "أم الله لأفعلنَّ" فتدخل الهمزة على الميم وهي متحركة، ولو كانت همزة وصل لوجب أن تحذف لتحرك ما بعدها.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مفرد وليس بجمع يمين لأنه لو كان جمع يمين لوجب أن تكون همزته همزة قطع، فلما وجب أن تكون همزته همزة وصل دلَّ على أنه ليس بجمع يمين، قال الشاعر:

[٢٦٤]

وقد ذَكَرَتْ لِي بِالكثيب مُؤَالفًا ... قِلَاصَ سُلَيْمٍ أو قِلَاصَ بني بكر


[٢٦٤] هذان البيتان من كلام نصيب بن رباح، وقد أنشد ثانيهما سيبويه "٢/ ١٤٧" وابن يعيش "ص١٢٦٠"وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ١٤٢" وابن جني في شرح تصريف المازني "١/ ٥٨" وفي سر صناعة الإعراب "١/ ١٢٠" وابن منظور "ي م ن" والخطيب القزويني في الإيضاح "رقم ٤٨٠ بتحقيقنا" وصف نصيب أنه تعرض لزيادة من يحب، فتعلل بأنه ينشد إبلًا ضلت له مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه بهم، ومعنى "نشدتهم" سألتهم، يقال "نشد فلان الضالة" إذا سأل عنها، ويقال "أنشد فلان الضالة" إذا عرفها. ومحل الاستشهاد قوله "لا يمن الله" حيث ورد بهمزة وصل؛ فدل ذلك على أن "أيمن" مفرد وليس بجمع؛ إذ لو كان جمعا لكانت همزته همزة قطع كالهمزة في أرهط وأكلب وأرؤس وأفؤس ونحو ذلك، قال سيبويه: "وزعم يونس أن همزة ايم موصولة، وكذلك تفعل بها العرب، وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل، وكذلك أيمن، قال الشاعر:
فقال فريق القوم لما نشدتهم البيت
ا. هـ كلامه.
قال الأعلم: "الشاهد في حذف ألف أيمن؛ لأنها ألف وصل عنده، فتحت لدخولها على اسم لا يتمكن في الكلام، إنما هو مخصوص بالقسم مضمن معناه" ا. هـ.
وقال ابن هشام: "أيمن المختص بالقسم: اسم، لا حرف، خلافًا للزجاج والرماني، مفرد مشتق من اليمن وهو البركة، وهمزته وصل، لا جمع يمين وهمزته قطع، خلافًا للكوفيين ويرد مذهب الكوفيين جواز كسر همزته وفتح ميمه، ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو أفلس وأكلب، وقول نصيب:
فقال فريق القوم لما نشدتهم ... البيت.
فحذف ألفها في الدرج، ويلزمه الرفع بالابتداء، وحذف الخبر، وأضافته إلى اسم الله سبحانه وتعالى، خلافًا لابن درستويه في إجازة جره بحرف القسم، ولابن مالك في جواز إضافته إلى الكعبة ولكاف الضمير، وجوز ابن عصفور كونه خبرًا والمحذوف مبتدأ، أي قسمي أيمن الله، ا. هـ، والله -سبحانه وتعالى- أعلى وأعلم وأعز وأكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>