فأبي نعيم: خفض بالعطف على الضمير المخفوض في "عنهم"؛ فهذه كلها شواهد ظاهرة تدل على جوازه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز، وذلك لأن الجار مع المجرور بمنزلة شيء واحد، فإذا عطفت على الضمير المجرور -والضمير إذا كان مجرورًا اتصل بالجار، ولم ينفصل منه، ولهذا لا يكون إلا متصلًا، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب -فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجار، وعَطْفُ الاسمِ عَلَى الحَرْفِ لا يجوز.
ومنهم من تمسّك بأن قال: إنما قلنا ذلك لأن الضمير قد صار عوضًا عن التنوين؛ فينبغي أن لا يجوز العطف عليه، كما لا يجوز العطف على التنوين، والدليل على استوائهما أنهم يقولون "يا غلام" فيحذفون الياء كما يحذفون التنوين وإنما اشتبها لأنهما على حرف واحد، وأنهما يكملان الاسم، وأنهما لا يُفْصَلُ بينهما وبينه بالظرف؛ وليس كذلك الاسم المظهر.
ومنهم من تمسك بأن قال: أجمعنا على أنه لا يجوز عطف المضمر المجرور على المظهر المجرور؛ فلا يجوز أن يقال "مررت بزيدٍ وَكَ" فكذلك ينبغي أن لا يجوز عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور، فلا يقال "مررت بِكَ وزَيْدٍ" لأن الأسماء مشتركة في العطف، فكما لا يجوز أن يكون معطوفًا فلا يجوز أن يكون معطوفًا عليه.
والاعتماد على هذه الأدلة على الأول:
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ، الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}[النساء: ١] فلا حجة لهم فيه من وجهين؛ أحدهما: أن قوله {وَالْأَرْحَامَ} ليس مجرورًا بالعطف على الضمير المجرور، وإنما هو مجرور بالقسم، وجواب القسم قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء: ١] والوجه الثاني: أن قوله {وَالْأَرْحَامَ} مجرور بباء مقدرة غير الملفوظ بها، وتقديره: وبالأرحام، فحذفت لدلالة الأولى عليها، وله شواهد كثيرة في كلامهم سنذكر طرفًا منها مُسْتَوْفًى في آخر المسألة إن شاء الله تعالى.
أما قوله تعالى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}[النساء: ١٢٧] فلا حجة لهم فيه أيضًا من وجهين:
أحدهما: أنا لا نسلم أنه في موضع جرّ، وإنما هو في موضع رفع