بالعطف على "الله" والتقدير فيه: الله يفتيكم فيهن ويفتيكم فيهن ما يتلى عليكم، وهو القرآن، وهو أوجه الوجهين.
والثاني: أنا نسلم أنه في موضع جر، ولكن بالعطف على "النساء" من قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} لا على الضمير المجرور في "فيهنَّ".
وأما قوله تعالى:{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إليكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ}[النساء: ١٦٢] فلا حجة لهم أيضًا من وجهين:
أحدهما: أنا لا نسلم أنه في موضع جر، وإنما هو في موضع نصب على المدح بتقدير فعل، وتقديره: أعني المقيمين، وذلك لأن العرب تنصب على المدح عند تكرر العطف والوصف، وقد يستأنف فيرفع، قال الله تعالى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَاليتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}[البقرة: ١٧٧] فرفع "الموفون" على الاستئناف، فكأنه قال: وهم الموفون، ونصب "الصابرين" على المدح، فكأنه قال: اذكرِ الصابرين، ثم قالت الخرنق، امرأة من العرب:
[٢٩٥]
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سَمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ
[٢٩٥] هذان البيتان من كلام الخرنق، وهي أخت طرفة بن العبد البكري لأمه من كلمة ترثي فيها زوجها عمرو بن مرثد وابنها علقمة بن عمرو وأخويه حسان وشرحبيلًا، وهما من شواهد سيبويه "١/ ١٠٤ و٢٤٦ و٢٤٩" ورضي الدين في باب النعت من شرح الكافي، وشرحها البغدادي في الخزانة "٢/ ٣٠١" والأشموني "رقم ٧٨٧" وأوضح المسالك لابن هشام "رقم ٣٩٦" وشرحهما العيني "٣/ ٦٠٢ و٤/ ٧٢ بهامش الخزانة" والمعتر: اسم مكان الازدحام في الحرب، ويقال: "فلان طيب معقد الإزار" إذا كان عفيفًا لا يحله لفاحشة. وصفت قومها بالظهور والغلبة على العدو، وبالكرم ونحر الإبل للأضياف، وبأنهم شجعان صيد وأبطال صناديد يلازمون الحرب ولا يفارقونها، وبأنهم أعفة عن الفواحش لا يدنون منها ولا يقربونها، وجعلت قومها سما لأعدائهم يأتي عليهم ويفتك بهم ولا يذر منهم أحدًا، وآفة للجزر -وهي الإبل- لأنهم يكثرون من نحرها. والاستشهاد بالبيتين في هذا الموضع لأنها قطعت قولها "الطيبين" عن الموصوف -الذي هو قولها "قومي"- من الرفع إلى النصب بإضمار فعل، وفي رواية سيبويه "النازلين" بالنصب أيضًا على القطع، قال ابن هشام: "ويجوز رفع النازلين والطيبين على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار "هم" ونصبهما بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما" ا. هـ.