للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النازلون بكل مُعْتَرَكٍ ... والطيبين مَعَاقِدَ الأَزْرِ

فنصبت "الطيبين" على المدح فكأنها قالت: أعني الطيبين، ويروى أيضا "والطيبون" بالرفع، أي: وهم الطيبون، وقال الشاعر:

[٢٩٦]

إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمَامِ ... ولَيْثِ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَمْ

وذا الرَّأْي حين تُغَمُّ الأمور ... بذات الصَّلِيلِ وذات اللُّجُمْ

فنصب "ذا الرأي" على المدح، فكذلك ههنا، وقال الآخر:

[٢٩٧]

وكلُّ قوم أَطَاعُوا أمر مُرْشِدِهِمْ ... إلا نُمَيْرًا أَطَاعَتْ أَمْرَ غَاوِيهَا


[٢٩٦] أنشد جار الله الزمخشري أول هذين البيتين في الكشاف "١/ ١٥ بولاق" عند تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إليكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} ولم ينسبه شراح شواهده، وأنشده ابن هشام في قطر الندى "رقم ١٣٧" وأنشده رضي الدين في باب المبتدأ والخبر وفي باب النعت من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "١/ ٢١٦ بولاق" والقرم -بفتح القاف وسكون الراء- وهو في الأصل الجمل المكرم الذي أعد للضراب، ثم أطلقوه على الرجل العظيم، وأصل الليث السبع، والكتيبة: الجماعة والفصيلة من الجيش، وأراد بليث الكتيبة الشجاع الفاتك، والمزدحم: أصله مكان الازدحام، وأراد هنا مكان المعركة وموطن الحرب، لأن الأبطال يتزاحمون فيه، وتغم الأمور: أي تتغطى وتستعجم على أهل الرأي لكثرة إشكالها، وذات الصليل وذات اللجم: معارك الحرب، وأصل الصليل صوت السيوف، واللجم: جمع لجام -بوزن كتاب وكتب- وهو العنان الذي يقود به الفارس فرسه. والاستشهاد به هنا في قوله "وذا الرأي" حيث قطعه عما قبله إلى النصب بفعل محذوف تقديره أمدح أو أذكر أو أعني، وما أشبه ذلك، على نحو ما ذكرناه في الشاهد السابق. والنحاة يستشهدون بهذا البيت لعطف بعض الصفات على بعض، فإنك تراه قد عطف قوله "وابن الهمام" على القرم، ثم عطف عليه "وليث الكتيبة" وذلك جائز لأن الموصوف بها واحد، ونظير هذا البيت في عطف بعض الصفات قوله ابن زيابة:
يا لهف زيابة للحارث الـ ... ـصابح فالغانم فالآيب
إلا أن العطف في بيت ابن زيابة بالفاء التي تدل على الترتيب والتعقيب لأن الصفات التي ذكرها لا تحصل إلا مترتبة متعاقبة.
[٢٩٧] هذان البيتان من شواهد سيبويه "١/ ٢٤٩" ونسبهما لابن خياط العكلي، وكذلك وقع في شرح الأعلم الشنتمري، ووقع في خزانة الأدب للبغدادي "٢/ ٣٠١ بولاق" "ابن حماط العكلي" ونمير: قبيلة من بني عامر، وغاويها: يراد بها ههنا مغويها، أي باعثها على الغي وحاملها عليه ومزينة لها، وعلى هذا يكون وزن فاعل ههنا للنسب، ونظيره قولهم: هم ناصب، إذا كانوا يريدون أنه منصب ومتعب، ويجوز أن يراد الغاوي في نفسه، لأنه إذا أطيع فقد أغوى من أطاعه، وقوله "الظاعنين ولما يظعنوا أحدا" يريد أنهم يظعنون عن ديارهم ويفارقونها خوفًا من عدوهم أن يدهمهم فلا يقوون على دفعه، وأنهم لا يستطيعون =

<<  <  ج: ص:  >  >>