فرفع "القائلون" على الاستئناف؛ ولك أن ترفعهما جميعًا، ولك أن تنصبهما جميعا، ولك أن تنصب الأول وترفع الثاني، ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني، ولا خلاف في ذلك بين النحويين.
والوجه الثاني: أنا نسلم١ أنه في موضع جر، ولكن بالعطف على "ما" من قوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}[البقرة: ١٧٧] فكأنه قال: يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين، على أنه قد روي عن عائشة عليها السلام أنها سئلت عن هذا الموضع، فقالت: هذا خطأ من الكاتب، وروي عن بعض لد عثمان أنه سئل عنه، فقال: إن الكاتب لما كتب {مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك}[البقرة: ١٧٧] قال: ما أكتب؟ فقيل له: اكتب والمقيمين الصلاة، يعني أن الممل أعمل قوله "اكتب" في "المقيمين" على أن الكاتب يكتبها بالواو كما كتب ما قبلها، فكتبها على لفظ الممل.
أما قوله تعالى:{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ٢١٧] فلا حجة لهم فيه؛ لأن "المسجد الحرام" مجرور بالعطف على "سبيل الله" لا بالعطف على "به" والتقدير فيه: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام؛ لأن إضافة الصد عنه أكثر في الاستعمال من إضافة الكفر به، ألا ترى أنهم يقولون:"صددته عن المسجد"، ولا يكادون يقولون:"كفرت بالمسجد"؟
= أن يحملوا أحدا على مفارقة داره، فهم يخافون عدوهم لقلتهم ولذلهم وضعفهم، ولا يخافهم عدوهم، وقوله "والقائلون لمن دار نخليها" يريد أنهم إذا ارتحلوا عن دارهم وخلوها لم يعرفوا من يحلها من قبائل العرب، لأنهم أضعف من كل قبيلة، فكل قبيلة من قبائل العرب يجوز أن تحل دارهم. والاستشهاد ههنا بهذين البيتين في قوله "والقائلون" حيث رفعه على القطع بإضمار مبتدأ، والتقدير: هم الظاعنون، ويجوز أن يكون قوله "الظاعنين" تابعا لقوله "نميرا" ويجوز أن يكون مقطوعًا بتقدير فعل، أي أذم الظاعنين، أو أهجو، أو نحو ذلك، وتجوز في الوصفين جميع الوجوه التي ذكرها المؤلف: إتباعهما، وقطعهما، وإتباع الأول وقطع الثاني، والذي لا يجوز هو أن تقطع ثم تتبع، وذلك لأن الرجوع إلى الإتباع بعد أن انصرفت عنه قبيح، إذ القطع يفيد أن شأن المذكورين معلوم مشهور لا يحتاج إلى وصف يبينه، فإن عدت إلى الإتباع بعد أن قطعت فكأنك نقضت ما أفدته أولا. وكل موضع جاز فيه القطع فإنه يجوز أن يكون قطعه بالنصب بتقدير فعل مدح أو ذم ويجوز قطعه بالرفع بتقدير مبتدأ، سواء أكان المتبوع مرفوعًا أم منصوبًا أم مجرورًا، فاعرف ذلك وكن منه على ثبت.