أي: ونِصْفُه، والشواهد على هذا النحو من كتاب الله تعالى وكلام العرب أكثرُ من أن تُحْصَى.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الأصل في "أو" أن تكون لأحد الشيئين على الإبهام، بخلاف الواو وبل؛ لأن الواو معناها الجمع بين الشيئين، وبل معناها الإضراب، وكلاهما مخالف لمعنى أو، والأصل في كل حرف أن لا يدل إلا على ما وُضِعَ له، ولا يدل على معنى حرف آخر؛ فنحن تمسكنا بالأصل، ومن تمسك بالأصل استغنى عن إقامة الدليل، ومن عدل عن الأصل بقي مُرْتَهَنًا بإقامة الدليل، ولا دليل لهم يدل على صحة ما ادعوه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافات: ١٧٤] فلا حجة لهم فيه، وذلك من وجهين؛ أحدهما: أن يكون للتخيير، والمعنى أنهم إذا رآهم الرائي تخير في أن يقدرهم مائة ألف، أو يزيدون على ذلك، والوجه الثاني: أن يكون بمعنى الشك، والمعنى أن الرائي إذا رآهم شك في عِدَّتِهِم لكثرتهم، أي: أن حالهم حال من يُشَك في عدتهم لكثرتهم؛ فالشك يرجع إلى الرائي، لا إلى الحق تعالى: كما قال تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}[البقرة: ١٧٥] بصيغة التعجب، والتعجب يرجع إلى المخاطبين، لا إلى الله تعالى، أي: حالهم حال من يُتَعَجب منه؛ لأن حقيقة التعجب في حق الحق لا تتحقق؛ لأن التعجب إنما يكون بحدوث علم بعد أن لم يكن، ولهذا قيل في معناه: التعجب ما ظهر حكمه وخفي سببه، والحق تعالى عالم بما كان، وبما يكون، وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وكما أن التعجب يرجع إلى الخلق لا إلى الحق، فكذلك ههنا.
= النحاة، فإن الذي تعودوا أن يقولوه: إن المحذوف هو الحرف العاطف والمعطوف به، كما في الآية الكريمة التي تلاها {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} التقدير: فضرب فانفجرت، فالمحذوف الذي قدره هو فاء العطف والفعل الذي تعطفه هذه الفاء على ما قبله، فأما ما قدره في البيت فهو معطوف على اسم مذكور بحرف مذكور وعاطف آخر لاسم مذكور على المعطوف المحذوف، وهذا شيء عجيب أوقعه فيه التعصب للبصريين ولو سلمنا أن ذلك جائز لما صلح أيضا؛ لأن مراد النابغة أن يصف هذه الفتاة بدقة النظر وسرعة الحساب فكيف يتفق ذلك مع شكلها فيما تتمناه هذا ما ظهر لي. والنحاة يستشهدون بهذا البيت أيضا على أن ليت إذا اتصلت بها ما الزائدة لم تخرجها عما استقر لها من الاختصاص بالجمل الاسمية، وأن الأكثر فيها مع الاتصال بما إعمالها في الاسم والخبر، وهم يروون قوله "ألا ليتما هذا الحمام" بنصب الحمام على الإعمال، وبرفعه على الإهمال.