والوجه الثاني: أنه لم يثنَّ ولم يجمع ولم يؤنث لأنه مضارع للبعض الذي يقع به التذكير والتأنيث والتثنية والجمع بلفظ واحد.
والوجه الثالث: إنما لم يثنَّ ولم يجمع لأن التثنية والجمع إنما تلحق الأسماء التي تنفرد بالمعاني، و"أفعل" اسم مركب يدل على فعل وغيره، فلم يجز تثنيته ولا جمعه، كما لم يجز تثنية الفعل ولا جمعه لما كان مركبا يدلُّ على معنى وزمان، وإنما فعلت العرب ذلك اختصارًا للكلام، واستغناء بقليل الكلام عن كثيره، ولم يجز تأنيثه لما ذكرنا من تضمنه معنى المصدر، والمصدر مذكر، ثم على أصلكم إنما وُحِّد "أفعل" لأنه جرى مجرى الفعل؛ ولهذا كانت إضافته غير حقيقية.
وأما قولهم "إن من تقوم مقام الإضافة، ولا يجوز الجمع بين التنوين والإضافة" قلنا: لو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يدخله الجر في موضع الجر، كما إذا دخلته الإضافة، فلما أجمعنا على أنه لا ينصرف ويكون في موضع الجر مفتوحًا كسائر ما لا ينصرف دلَّ على فساد ما ذهبتم إلى.
وأما قولهم "إنما لم يجز الجمع بين التنوين والإضافة لأنهما دليلان من دلائل الأسماء" قلنا: لا نسلم أنه إنما لم يجز الجمع بين التنوين والإضافة لأنهما دليلان من دلائل الأسماء، وإنما لم يجز الجمع بين التنوين والإضافة لوجهين:
أحدهما: أن الإضافة تدل على التعريف، والتنوين يدل على التنكير فلو جوّزنا الجمع بينهما لأدى ذلك إلى أن يجمع بين علامة تعريف وعلامة تنكير في كلمة واحدة، وهما ضدّان، والضدّان لا يجتمعان.
والوجه الثاني: أن الإضافة علامة الوصل، والتنوين علامة الفصل. فلو جوّزنا الجمع بينهما لأدّى ذلك إلى أن يجمع بين علامة وصل وعلامة فصل في كلمة واحدة، وهما ضدّان، والضدّان لا يجتمعان.
وما ذهبوا إليه من التعليل يبطل بحرف الجر مع لام التعريف؛ فإنهما يجوز اجتماعهما، نحو "مررت بالرجل" وإن كانا دليلين من دلائل الأسماء، إلى غير هذين الدليلين من دلائل الأسماء، والله أعلم.