فصرف "قصائد" وهي لا تنصرف؛ لأنه ردها إلى الأصل، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة في أشعارهم.
والذي يدل على هذا أن ما لا أصل له في الصرف ودخول التنوين لا يجوز للشاعر أن ينونه للضرورة، لأنه لا أصل له في ذلك فيرده إلى حالة قد كانت له، فإذا ثبت هذا فنقول: أفعل منك اسم، والأصل فيه الصرف، وإنما امتنع من الصرف لوزن الفعل والوصف، فصار بمنزلة "أحمر"، وكما وقع الإجماع على أن "أحمر" يجوز صرفه في ضرورة الشعر ردًّا إلى الأصل فكذلك أفعل منك، ثم إذا جار عندكم في ضرورة الشعر ترك صرف ما أصله الصرف -وهو عدول عن الأصل إلى غير أصل- فكيف لا يجوز صرف ما أصله الصرف وهو رجوع عن غير أصل إلى أصل؟ وهل منع ذلك إلا رفض القياس، وبناء على غير أساس؟
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن من لما اتصلت به منعت من صرفه" قلنا: هذا باطل؛ لأن اتصال من ليس له تأثير في منع الصرف، وإنما المؤثر في منع الصرف وزن الفعل والوصف. والذي يدل على ذلك أنهم قد قالوا:"زيد خير منك، وشر منك" فيصرفون مع اتصال "من" به، ولم يمنعوهما الصرف مع دخول "من" عليهما واتصالها بهما، ولو كان كما زعموا لوجب أن لا ينصرفا لاتصال "من" بهما، فلما انصرفا مع اتصال "من" بهما دلّ على أن اتصالها بهما لا أثر له في منع الصرف، وإنما المؤثر في منع الصرف وزن الفعل والوصف.
والذي يدل على صحة هذا أنه لما زال وزن الفعل من "خير منك، وشر منك" انصرف؛ لأن الأصل: أخير منك، وأشرر منك؛ إلا أنهم حذفوا الهمزة منهما لكثرة الاستعمال، وأدغموا إحدى الراءين في الأخرى من قولهم "شر منك" لئلا يجتمع حرفان متحركان من جنس واحد في كلمة واحدة؛ لأن ذلك مما يستثقل في كلامهم، فلما نقصا عن وزن الفعل بقي فيهما علة واحدة وهي الوصف، فَرُدَّا إلى الأصل وهو الصرف؛ لأن العلة الواحدة لا تقوى على منع الصرف الذي هو الأصل.
وأما قولهم "إنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لاتصال من به" قلنا: إنما لم يثنَّ ولم يجمع ولم يؤنث لثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه لم يثنَّ ولم يجمع ولم يؤنث لأنه تضمن معنى المصدر؛ لأنك إذا قلت "زيد أفضل منك" كان معناه فضل زيد يزيد على فضلك؛ فجعل موضع يزيد فضله أفضل، فتضمن معنى المصدر والفعل معا، والفعل والمصدر مذكران، ولا تدخلهما تثنية ولا جمع، فكذلك ما تضمنهما.