للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلأَن يجوز حذف التنوين للضرورة كان ذلك من طريق الأولى، وهذا لأن الواو من "هو" متحركة، والتنوين ساكن، ولا خلاف أن حذف الحرف الساكن أسهل من حذف الحرف المتحرك، فإذا جاز حذف الحرف المتحرك الذي هو الواو للضرورة فلأن يجوز حذف الحرف الساكن كان ذلك من طريق الأولى؛ ولهذا كان أبو بكر بن السراج من البصريين -وكان من هذا الشأن بمكان- يقول: لو صحت الرواية في ترك صرف ما ينصرف لم يكن بأبعد من قولهم:

[٣٣٣]

فبيناه يشري رحله قال قائل

ولما صحت الرواية عند أبي الحسن الأخفش وأبي علي الفارسي وأبي القاسم بن برهان من البصريين صاروا إلى جواز ترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر واختاروا مذهب الكوفيين على مذهب البصريين، وهم من أكابر أئمة البصريين والمشار إليهم من المحققين.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ترك صرف ما ينصرف لأن الأصل في الأسماء الصرف، فلو أنا جوزنا ترك صرف ما ينصرف لأدّى ذلك إلى ردّه عن الأصل إلى غير أصل، ولكان أيضا يؤدي إلى أن يلتبس ما ينصرف بما لا ينصرف؛ وعلى هذا يخرج حذف الواو، من "هو" في نحو قوله:

[٣٣٣]

فبيناه يشري رحله قال قائل


= والبيت في وصف رجل أضل بعيره ويئس من عوده فأراد أن يبيع رحله فبينا هو يبيع رحله؛ إذ سمع من يعرف البعير ليطلبه صاحبه، شبه حاله مع من يحب بحال صاحب هذا البعير، والاستشهاد بالبيت في قوله "فبيناه" فإن أصل هذه الكلمة "فبينا هو" بضم الهاء وفتح الواو، والعلماء يختلفون في حذفها: هل حذفت وهي متحركة مفتوحة أو سكنت أولًا ثم حذفت وهي ساكنة؟ أما الأعلم فزعم أن الشاعر سكن الواو، ضرورة، ثم حذف هذه الواو الساكنة ضرورة أخرى، فأدخل ضرورة على ضرورة وأما ابن يعيش والمؤلف فكذا أن الشاعر حذفها وهي مفتوحة، ومن أمثال هذا البيت قول الشاعر وهو من شواهد سيبويه "١/ ١٢":
بيناه في دار صدق قد أقام بها ... حينا يعللنا وما نعلله
قال الأعلم: "أراد بينا هو، فسكن ضرورة، ثم حذف، فأدخل ضرورة على ضرورة" ا. هـ. ونظيره قول الراجز، وأنشده سيبويه أيضا:
هل تعرف الدار على تبراكا؟ ... دار لسعدى إذه من هواكا
قال الأعلام: "أراد إذ هي فسكن الياء أولا ضرورة، ثم حذفها ضرورة أخرى بعد الإسكان، تشبيها لها بعد سكونها بالياء اللاحقة في ضمير الغائب إذا سكن ما قبله والياء والواو اللاحقة له في هذا الحال، نحو عليه ولديه ومنه وعنه" ا. هـ. وقال ابن يعيش بعد أن أنشد البيت المستشهد به ههنا: "إنما هو فبينا هو، فحذف الواو من هو وهي متحركة من نفس الكلمة، وإذا جاز حذف ما هو من نفس الحرف كان حذف التنوين الذي هو زيادة للضرورة أولى: ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>