للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الهاء أيضًا في سائر المنصوبات؛ فإنه يجوز أن لا تُمْطَلَ حركتُها في الشعر كضمير المجرور؛ فإنهم يسوُّون بينهما في ذلك، قال الشاعر:

[٣٣٥]

له زجل كأنه صوتٌ حادٍ ... إذا طلب الوسيقة أو زَمِيرُ

وقال الآخر:

[٣٣٦]

أو مُعْبَرُ الظَّهْرِ يَنْأَى عن وَلِيَّتِهِ ... ما حجَّ ربُّهُ في الدنيَا ولا اعْتَمَرَا


= المعطوف يشارك المعطوف عليه في تسلط عامله عليه، ولا يصح ذلك؛ لأن الجدع في لسان أهل هذه اللغة خاص بالأنف، فلا يجوز أن تقول: جدعت عينيه، ولا جدعت يديه، ولا جدعت أذنيه، وما أشبه ذلك، ولهذا كان قوله "وعينيه" عندهم مفعولا به لفعل محذوف تقديره "ويفقأ عينيه" وتكون جملة هذا الفعل معطوفة بالواو على جملة الفعل السابق، قال السيد المرتضى "أراد ويفقأ عينيه، لأن الجدع لا يكون بالعين، واكتفى بيجدع من يفقأ" ا. هـ. والمؤلف قد أنشد هذا البيت ليستشهد به على أن الشاعر قد يمطل حركة ضمير الغائب المتصل -أي يمدها فينشأ عنها حرف مد يجانس حركتها- وقد لا يمطلها، وبيان ذلك أنك تقول "أعطيته مما له عندي" فتمطل الهاء في "أعطيته" وفي "له" والأولى في محل نصب والثانية في محل جر -حتى ينشأ من ضمة كل منهما واو، ويجوز أن تكتفي بالضمة في كل كلمة منهما، وأن تمطل واحدة وتدع أخرى بلا مطل، كل ذلك جائز، وليس واحد من الوجهين بأولى من الآخر، وقد جمع الشاعر صاحب هذا الشاهد بين الوجهين في هذا البيت؛ فقد مطل الهاء في "أنفه" واكتفى بالحركة من غير مطل في "وعينيه".
[٣٣٥] هذا البيت من كلام الشماخ بن ضرار الغطفاني يصف حمار وحش، وهو من شواهد سيبويه "١/ ١١" وابن جني في الخصائص "١/ ١٢٧" والزجل -بالتحريك- صوت فيه حنين وترنم، والحادي: الذي يتغنى أمام الإبل ويطربها لكي يعينها على السير وألا تمل، والزمير: صوت المزمار، والوسيقة: أراد به أنثى حمار الوحش. يقول: إذا طلب أنثاه صوت بها وكأنه صوته -لما فيه من الحنين، ومن حسن الترجيع والتطريب- صوت حاد يتغنى بإبل أو صوت مزمار. والاستشهاد بالبيت ههنا في قوله "كأنه صوت حاد" فإن الشاعر لم يمطل الضمة التي على ضمير الغائب في كأنه حتى تنشأ عنها واو، بل اختلس الضمة اختلاسًا، وهذا بين بعد ما ذكرناه في شرح الشاهد السابق.
[٣٣٦] وهذا البيت أيضا من شواهد سيبويه "١/ ١٢" ونسبه لرجل من باهلة، ولم يزد الأعلم في نسبته على ذلك، والشاعر يصف بعيرا لم يستعمله صاحبه في سفر لحج أو عمرة، ومعبر الظهر: ممتلئة باللحم مع كثرة وبره، والولية: البرذعة، وأراد بقوله "ينأى عن وليته" أنه يعسر وضعها عليه لكونه قد اشتد سمنه وكثر وبره، وكان ينبغي أن يقول "تنأى عنه وليته" لكنه قلب، ووجهه أنه إذا نأى عنها فإنه يجعلها تنأى عنه، وربه: أي صاحبه. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله "ربه" فإنه اختلس الضمة التي على ضمير الغائب المجرور اختلاسًا، ولم يشبع هذه الضمة حتى تنشأ عنها واو، على نحو ما قررناه في شرح الشاهد رقم ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>