للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: ورُبَّ بلد، وإعمالها بعد الفاء نحو قول الشاعر:

[٢٤٠]

فَحُورٍ قد لَهَوْتُ بِهِنَّ عِينٍ

أي: فرُبَّ حورٍ، وإعمالها بعد بل نحو قول الراجز:

[٣٤٩]

بل بلد ملءُ الفجاجِ قَتَمُهْ ... لا يَشْتَرِي كَتّانُهُ وجَهْرَمُهْ

أي: بل رب بلد، فأعملتم "رب" في هذه المواضع مع الحذف، وهي حرف خفض وهذه مناقضة ظاهرة؛ فدل على أن حرف الخفض قد يعمل مع الحذف، على أنه قد حكى نَقَلَةُ اللغة عن رؤبة أنه كان إذا قيل له: كيف أصبحت، يقول: خيرٍ عافاك الله، أي: بخير، فيعمل [حرف] الخفض مع الحذف.

وكذلك أيضا مَنْعُكُمْ إعمال حرف الجزم١ مع الحذف لا يستقيم أيضا على أصلكم، فإنكم تذهبون إلى أن حرف الشرط يعمل مع الحذف في ستة مواضع، وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والتمني، والعرض، والأمر نحو: ايتني آتك، والنهي: لا تفعل يكن خيرًا لك، والدعاء: اللهم ارزقني بعيرًا أحجَّ عليه، والاستفهام: أين بيتك أزرك، والتمني: ألا ماء أشربه، والعرض: ألا تنزل أكرمك، فأعملتم حرف الشرط مع الحذف في هذه المواضع كلها لتقديره فيها.


[٣٤٩] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من كلام رؤبة بن العجاج من أرجوزة طويلة يمدح فيها أمير المؤمنين أبا العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين، وأول هذه الأرجوزة قوله:
قلت لزير لم تصله مريمه ... ضليل أهواء الصبا يندمه
والبيت المستشهد به ههنا من شواهد الأشموني "رقم ٥٧٤" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم ١٦٨" وفي شذور الذهب "رقم ١٦٣" وابن عقيل "رقم ٢١٩" والبلد يذكر ويؤنث، والتذكير أكثر، والفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواسع، وقتمه -بفتح القاف والتاء جميعًا، وأصله القتام، بوزن السحاب، فخففه بحذف الألف -وهو الغبار، والجهرم -بوزن جعفر- هو البساط، وقيل: أصل هذه الكلمة "جهرميه" بياء مشددة كياء الكرسي، للنسبة إلى جهرم وهي إحدى بلاد فارس، وإنه حذف ياء النسبة لما يصف نفسه بالقدرة على الأسفار وتحمل المشاق، ويشير إلى أن ناقته جلدة قوية على قطع الطرق الوعرة والمسالك الصعبة، والاستشهاد بالبيت في قوله "بل بلد" حيث جر النكرة بعد بل برب المحذوفة، وأصل الكلام "بل رب بلد" وانظر الشاهد رقم ٢٣٩ السابق، ومثل هذا الشاهد قول رؤبة بن العجاج أيضا:
بل بلد ذي صعد وأصباب ... تخشى مراديه وهجر دواب

<<  <  ج: ص:  >  >>