حيث لا يرتفع الاسم مثل الحالين في النصب والجزم، فدلَّ على ما قلنا.
والذي يدل على أنه لا يرتفع لقيامه مقام الاسم أنه لو كان مرفوعًا لقيامه مقام الاسم لكان ينبغي أن لا يرتفع في قولهم "كاد زيد يقوم" لأنه لا يجوز أن يقال: كاد زيد قائمًا، فلما وجب رفعه بالإجماع دلَّ على صحة ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه مرفوع لقيامه مقام الاسم، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن قيامه مقام الاسم عامل معنوي؛ فأشبه الابتداء، والابتداء يوجب الرفع، فكذلك ما أشبهه.
والوجه الثاني: أنه بقيامه مقام الاسم قد وقع في أقوى أحواله، فلما وقع في أقوى أحواله وجب أن يعطى أقوى الإعراب، وأقوى الإعراب الرفع؛ فلهذا كان مرفوعًا لقيامه مقام الاسم.
ولا يلزم على كلامنا الفعل الماضي؛ فإنه يقوم مقام الاسم، ومع هذا فلا يجوز أن يكون مرفوعًا؛ لأنه إنما لم يكن قيام الفعل الماضي مقام الاسم موجبًا لرفعه، وذلك لأن الفعل الماضي ما استحق أن يكون معربًا بنوع ما من الإعراب؛ فصار قيامه مقام الاسم بمنزلة عدمه في وجوب الرفع؛ لأن الرفع نوع من الإعراب، وإذا لم يكن يستحق أن يعرب بشيء من الإعراب استحال أن يكون مرفوعًا؛ لأنه نوع منه، بخلاف الفعل المضارع؛ فإنه استحق جملة الإعراب بالمشابهة التي بيناها، فكان قيامه مقام الاسم موجبا له الرفعَ؛ وصار هذا بمنزلة السيف؛ فإنه يقطع في محل يقبل القطع، ولا يقطع في محل لا يقبل القطع، فعدم القطع في محل لا يقبل القطع لا يدل على أنه ليس بقاطع، فكذلك ههنا: عدم الرفع في الفعل الماضي مع قيامه مقام الاسم لا يدل على أن قيام الفعل المضارع مقام الاسم ليس بموجب للرفع، وهذا واضح لا إشكال فيه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنه يرتفع بتعرِّيه من العوامل الناصبة والجازمة" قلنا: هذا فاسد، وذلك لأنه يؤدي إلى أن يكون الرفع قبل النصب والجزم، ولا خلاف بين النحويين أن الرفع قبل النصب والجزم؛ وذلك لأن الرفع صفة الفاعل، والنصب صفة المفعول، وكما أن الفاعل قبل المفعول؛ فكذلك ينبغي أن يكون الرفع قبل النصب، وإذا كان الرفع قبل النصب فلأن يكون قبل الجزم كان ذلك من طريق الأولى، فلما أدّى قولهم إلى خلاف الإجماع وجب أن يكون فاسدًا.