عفت الديار محلها فمقامها ... بمنى تأبد غولها ورجامها ويكون عفا متعديا كما في البيت الذي قبل بيت الشاهد، ومعناه محا آثاره، وانمحى: مطاوع "محاه يمحوه" ويروى "فامحى" بتشديد الميم، على أنه قلب النون ميمًا ثم أدغم الميم في الميم، ومحل الاستشهاد في البيت قوله: "كاد أن يمصحا" حيث اقترن المضارع الواقع خبرًا لكاد بأن المصدرية، ومذهب سيبويه أن المستعمل في الكلام إسقاط أن، وأن ذكر أن معها مما يجيء في الشعر للضرورة تشبيهًا لكاد بعسى، كما أن المستعمل في الكلام ذكر أن في خبر عسى، وأنها قد تسقط مع عسى تشبيهًا لعسى بكاد. وأقول: قد وقع اقتران الفعل الواقع خبرا لكاد بأن في الحديث، وفي جملة من الشعر العربي، فمن ذلك ما ورد في صحيح البخاري في شأن أمية بن أبي الصلت "كاد أن يسلم" ويروى: "كاد الفقر أن يكون كفرًا" وفي حديث عمر بن الخطاب "ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب" وفي حديث جبير بن مطعم "كاد قلبي أن يطير" وأما الشعر فمنه بيت الشاهد، ومنه قول ذي الرمة: وجدت فؤادي كاد أن يستخفه ... رجيع الهوى من بعض ما يتذكر ومنه قول محمد بن مناذر، وهو من شواهد الأشموني: كادت النفس أن تفيظ عليه ... إذا غدا حشو ريطة وبرود ومنه قول الآخر، وهو من شواهد الأشموني أيضًا: أبيتم قبول السلم منا؛ فكدتم ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السل ومنه ما أنشده ابن الأعرابي: يكاد لولا سيره أن يملصا ومنه ما أنشده هو وغيره: حتى تراه وبه إكداره ... يكاد أن ينطحه إمجاره لو لم ينفس كربه هراره ومنه ما أنشده أبو زيد في صفة كلب: يرتم أنف الأرض في ذهابه ... يكاد أن ينسل من إهابه