تكرم، فلما لم يجز ذلك بالإجماع دلَّ على فساده، على أنَّا وإن سلمنا أنها من عوامل الأسماء إلا أنها عامل من عوامل الأفعال في بعض أحوالها، والدليل على هذا أنها تجزم الأفعال في غير هاتين الحالين، في الأمر والدعاء، نحو "ليقم زيد، وليغفر الله لعمرو" فكما جاز أن تعمل في بعض أحوالها في المستقبل جزمًا جاز أيضًا أن تعمل في بعض أحوالها فيه نصبًا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الناصب للفعل "أن" المقدرة دون اللام، وذلك لأن اللام١ من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء لا يجوز أن تكون عوامل الأفعال؛ فوجب أن يكون الفعل منصوبًا بتقدير "أن". وإنما وجب تقدير "أن" دون غيرها لأن "أن" يكون مع الفعل بمنزلة المصدر الذي يحسن أن يدخل عليه حرف الجر، وهي أمّ الباب، فكان تقديرها أولى من غيرها؛ ولهذا إن شئت أظهرتها بعد اللام، وإن شئت أضمرتها، كما يجوز إظهار الفعل وإضماره بعد "إن" في قولهم "إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر" وإنما حذفت ههنا بعد اللام وكذلك بعد الواو والفاء تخفيفًا، والحذف للتخفيف كثير في كلامهم؛ ولهذا يذهبون إلى أنه حذفت لام الأمر وتاء المخاطب في أمر المَوَاجَهِ طلبًا للتخفيف، وقد حكى هشام بن معاوية عن الكسائي أنه حكى عن العرب "لا بُدَّ مِنْ يَتْبَعَهَا" أي: لا بد مِنْ أن يتبعها؛ فحذف "أن" فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما قلنا إنها هي الناصبة؛ لأنها قامت مقام كي، وكي تنصب، فكذلك ما قام مقامها" قلنا: لا نسلم أن كي تنصب بنفسها على الإطلاق، وإنما تنصب تارة بتقدير "أن" لأنها حرف جر، وتارة تنصب بنفسها، وليس حملها على إحدى الحالين أولى من الأخرى، بل حملها عليها في الحالة التي تنصب الفعل فيه بتقدير "أن" أولى من حملها عليها في الحالة التي تنصب الفعل بنفسها؛ لأنها في تلك الحالة التي تنصب الفعل بتقدير "أن" حرف جر كما أن اللام حرف جر، وفي الحالة التي تنصب الفعل بنفسها حرف نصب، وحمل حرف الجر على حرف الجر أولى من حمل حرف الجر على حرف النصب، فكما أن "كي" في هذه الحالة تنصب الفعل بتقدير "أن" فكذلك اللام ينبغي أن تنصبه بتقدير أن.
وقولهم "إنها تشتمل على معنى كي" قلنا: كما أنها تشتمل على معنى كي، إذا كانت ناصبة، فكذلك تشتمل على معنى كي إذا كانت جارة؛ فإنه لا فرق بين