للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كي الناصبة وكي الجارة في المعنى؛ على أن كونها في معنى كي الناصبة لا يخرجها عن كونها حرف جر، فإنه قد يتفق الحرفان في المعنى وإن اختلفا في العمل، ألا ترى أن اللام في قولك جئت لأكرمك" بمعنى كي في قولك "جئت كي أكرمك، ولكي أكرمك" وإن كانت اللام حرف جر، وكي حرف نصب، ولم تخرج بذلك عن كونها حرف جر، فكذلك ههنا.

فإن قلتم: إن اللام ههنا دخلت على الاسم الذي هو مصدر؛ فلم تخرج عن كونها حرف جر.

قلنا: وكذلك اللام ههنا دخلت على الاسم الذي هو مصدر؛ لأن "أن" المقدرة مع الفعل في تقدير المصدر؛ فقد دخلت على الاسم، ولا فرق بينهما.

وأما قولهم "إنها تفيد معنى الشرط فأشبهت إن المخففة الشرطية" قلنا: لا نسلم أنها تفيد الشرط، وإنما تفيد التعليل، ثم لو كان كما زعمتم لكان ينبغي أن تحمل عليها في الجزم؛ فيجزم باللام كما يجزم بإن؛ لأجل المشابهة التي بينهما.

قولهم "إنَّ إنْ لما كانت أمّ الجزاء أرادوا أن يفرقوا بينهما" قلنا: فهلَّا رفعوا؟ قولهم "إنَّ الرفع يبطل مذهب الشرط" قلنا: فكان ينبغي أن لا ينصب أيضًا؛ لأن النصب أيضًا يبطل مذهب الشرط!

وقولهم "إن الفعل المضارع يرتفع لخلوه من حرف الشرط وغيره من العوامل الناصبة والجازمة" قلنا: قد بينا فساد ما ذهبوا إليه من ارتفاع الفعل المضارع بتعرِّيه من العوامل الناصبة والجازمة في موضعه بما يُغْنِي عن الإعادة.

وأما قولهم "إنها لو كانت لام الجر لجاز أن يقال: أمرت بتكرم، على معنى أمر بأن تكرم" قلنا: هذا فاسد، وذلك لأن حروف الجر لا تتساوى؛ فإن اللام لها مزية على غيرها؛ لأنها تدخل على المصادر التي هي أغراض الفاعلين، وهي شاملة يحسن أن يسأل بها عن كل فعل فيقال: لم فعلت؟ لأن لكل فاعل غرضًا في فعله، وباللام يخبر عنه ويسأل عنه؛ وكي وحتى في ذلك المعنى، ألا ترى أنك تقول: مدحت الأمير ليعطيني، وحتى يعطيني؛ فجاز أن تقدر بعدها "أنْ" وليست الباء كذلك؛ فلا يجوز أن تقدر.

وقولهم "إنا نسلم أنها من عوامل الأسماء؛ إلا أنها من عوامل الأفعال في بعض أحوالها، بدليل أنها تجزم الأفعال في قولهم: ليقم زيد" قلنا: إذا سلمتم أنها من عوامل الأسماء بطل أن تكون من عوامل الأفعال؛ لأن العامل إنما كان عاملًا لاختصاصه، فإذا بطل الاختصاص بطل العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>