للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "كيما لا تظلموا" وقال عَدِيّ بن زيد العِبَادِيُّ:

[٣٨٢]

اسْمَعْ حديثا كَمَا يوما تُحَدِّثَهُ ... عن ظهر غيب إذا ما سائلٌ سَأَلَا


= البغدادي في الخزانة "٣/ ٥٩١ و٤/ ٢٨٦" وهو من أرجوزة لرؤبة بن العجاج.
ومحل الاستشهاد منه قوله "كما لا تظلموا" فإنه دليل على صحة ما ذهب إليه الكوفيون من أن "كما" يجوز أن ينتصب الفعل المضارع بعدها على أن أصلها كيما فحذفت الياء تخفيفًا، ألست ترى قوله "لا تظلموا" منصوبًا بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة؛ إذ هو فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة، وقد وافق أبو العباس المبرد على هذا المذهب ورآه اقتناعًا منه بما ورد من الشواهد الدالة على صحته، وأما البصريون فإنهم امتنعوا من إقرار ذلك، وذهبوا مذاهب في هذه العبارة، فمنهم من أنكر الشواهد أو زعم أن روايتها على غير ما ذكر الكوفيون، وقد سمعت في شرح الشاهد السابق رواية تخرجه عن الاستشهاد به، وقالوا في البيت الذي نحن بصدد شرحه: إن الرواية فيه.
لا تظم الناس كما لاتظم
بالفعل المضارع المسند إلى ضمير الواحد المخاطب، وهو مرفوع بالضمة الظاهرة، وعليه تكون الكاف للتشبيه أو للتعليل، وما: كافة لهذه الكاف عن الاختصاص بالأسماء وعمل الجر الذي هو الأصل فيها، أو ما: مصدرية، وهي مع الفعل الذي بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، وكأنه قال: لا تظلم الناس لعدم ظلمك، ومنهم من سلم الرواية التي رواها الكوفيون، وزعم أن الناصب في هذه العبارة هو "ما" التي دخلت الكاف عليها، وما هذه مصدرية، والأصل أنها لا تعمل، لكن العرب شبهت ما بأن المصدرية فنصبت بما كما نصبت بأن، وشبهت أن المصدرية بما المصدرية فأهملت أن كما أهملت ما، وانظر الشاهد رقم ٣٧٠ السابق، وهذا كله جدل ولجاج في الخصومة، والذي ذهب إليه الكوفيون أقرب من جميع ما قالوه.
هذا، وقد روى سيبويه بيت الشاهد على وجه آخر "١/ ٤٥٩" وهو:
لا تشتم الناس كما لا تشتم
بالإسناد إلى ضمير الواحد المخاطب، وكذلك أنشده رضي الدين في باب حروف الجر من شرح الكافية، وشرحه البغدادي، "٤/ ٢٨٦" وكذلك أنشده الأشموني في نواصب المضارع "رقم ١٠٠٣" وسيذكر المؤلف هذه الرواية في الرد على كلام الكوفيين.
[٣٨٢] أنشد ابن منظور "ك ى ا" هذا البيت ونسبه إلى عدي كما قال المؤلف، قال: "كي: حرف من حروف المعاني ينصب الأفعال بمنزلة أن، ومعناه العلة لوقوع الشيء، كقولك: جئت كي تكرمني، وقال في التهذيب: تنصب الفعل الغابر، تقول: أدبه كي يرتدع، قال ابن سيده: وقد تدخل عليه اللام، وفي التنزيل العزيز: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد: ٢٣] وقال لبيد
لكيلا يكون السندري نديدبي
وربما حذفوا كي اكتفاء باللام وتوصلًا بما ولا، فيقال: تحرر كيلا تقع، وخرج كيما يصلي، قال الله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [حشر: ٧] وفي كيما لغة أخرى حذف الياء من لفظه كما قال عدي:
اسمع حديثا كما يوما تحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
=

<<  <  ج: ص:  >  >>