لمحقوقة أَنْ تستجيبي دعاءَه ... وأن تعلمي أن المُعَانَ مُوَفَّقُ
فترك إبراز الضمير، ولو أبرزه لقال "محقوقة أنت" وقال الآخر:
[٢١]
يرى أَرْبَاقَهُم مُتَقَلِّدِيهَا ... كما صَدِئَ الحديد على الكُمَاة
فترك إبرازه، ولو أبرزه لقال "متقلديها هم" فلما أضمره ولم يبرزه دلّ على جوازه، ولأن الإضمار في اسم الفاعل إنما جاز إذا جرى على من هو له لشبه الفعل، وهو مشابه له إذا جرى على غير من هو له، كما إذا جرى على من هو له؛ فكما جاز الإضمار فيه إذا جرى على من هو له فكذلك يجوز إذا جرى على غير من هو له.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنه يجب إبرازه فيه إذا جرى على غير من هو له أنا أجمعنا على أن اسم الفاعل فَرْعٌ على الفعل في تحمل الضمير؛ إذ كانت الأسماء لا أصل لها في تحمل الضمير وإنما يُضْمَرُ فيما شَابَهَ منها الفعل كاسم الفاعل نحو "ضارب، وقاتل" والصفة المشبهة به نحو "حسن، وشديد" وما أشبه ذلك؛ فإذا ثبت أن اسم الفاعل فرع على الفعل فلا شك أن المشبه بالشيء يكون أضعف منه في ذلك الشيء، فلو قلنا إنه يتحمل الضمير في كل حالة -إذا جرى على من هو له، وإذا جرى على غير من هو له- لأدّى ذلك إلى التسوية بين الأصل والفرع، وذلك لا يجوز؛ لأن الفروع أبدًا تنحطُّ عن درجة الأصول، فقلنا: إنه إذا جرى على غير من هو له يجب إبراز الضمير؛ ليقع الفرقُ بين الأصل والفرع.
ومنهم من تمسك بأن قال: إنما قلنا يجب إبراز الضمير فيه إذا جرى على غير من هو له لأنا لو لم نبرزه لأدّى ذلك إلى الالتباس، ألا ترى أنك لو قلت "زيد أخوه ضارب" وجعلت الفعل لزيد ولم تبرز الضمير لأدّى ذلك إلى أن يسبق إلى فَهْمِ السامع أن الفعل للأخ دون زيد، ويلتبس عليه ذلك؟ ولو أبرزت الضمير لزال هذا الالتباس؛
[٢١] لم أقف لهذا الشاهد على نسبة ولا تكملة، ولا وجدت من أنشده غير المؤلف. والأرباق: جمع ربق -بكسر الراء وقد تفتح، والباء ساكنة- وأصله الحبل والحلقة التي تشد بها الغنم الصغار لئلا ترضع، ومتقلديها: أي جاعليها في أعناقهم في موضع القلادة، والكماة: جمع كمي، وهو الشجاع المتكمي، أي المستتر الذي غطى وجهه، وكانوا يفعلون ذلك إذا كان عليهم ثارات، مخافة أن يتلمس أحد أعدائهم غفلتهم فيفتك بهم، والاستشهاد في البيت بقوله "متقلديها" فإن هذه الكلمة قد وقعت في هذا البيت مفعولًا ثانيًا لترى، وأنت خبير أن أصل المفعول الثاني لأرى خبر مبتدأ، وأن المفعول الأول هو مبتدأ ذلك الخبر، وأنت ترى أن الخبر جار على غير مبتدئه، لأن "متقلديها" وصف للابسي ما عبر عنه بالأرباق، لا للأرباق نفسها، ومع ذلك لم يبرز معه الضمير، ولو أبرزه لقال "متقلديها هم" فدل ذلك على أن إبراز الضمير إذا جرى الوصف على غير من هو له ليس واجبًا لا معدى عنه.