للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجب إبرازه؛ لأنه به يحصل إفهامُ السامع ورفع الالتباس؛ ويخرج على هذا إذا جرى على من هو له؛ فإنه إنما لم يلزمه إبراز الضمير لأنه لا التباس فيه، ألا ترى أنك لو قلت "زيد ضارب غلامه" لم يسبق إلى فهم السامع إلا أن الفعل لزيد؛ إذ كان واقعًا بعده فلا شيء أولى به منه، فبان بما ذكرنا صحة ما صرنا إليه.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما البيت الأول وهو قوله:

[٢٠]

لمحقوقةٌ أن تستجيبي دعاءَه

فلا حُجَّة لهم فيه؛ لأنه محمول عندنا على الاتّساع والحذف، والتقدير فيه: لمحقوقة بك أن تستجيبي دعاءه١، وإذا جاز أن يُحْمَل البيت على وجه سائغ في العربية فقد سقط الاحتجاج به.

وأما البيت الثاني، وهو قول الآخر:

[٢١]

ترى أَرْبَاقَهُم مُتَقَلِّدِيهَا

فلا حجة لهم فيه أيضًا؛ لأن التقدير فيه ترى أصحاب أرباقهم، إلا أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أي: أهل القرية، وقال تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣] ومنه قولهم: "الليلَةَ الهِلَالُ" أي: طلوعُ الهلالِ؛ لأن ظروف الزمان لا تكون إخبارًا عن الجُثَثِ.

قال الشاعر:

[٢٢]

وشرُّ المنايا ميِّت وَسْطَ أهْلِهِ ... كَهُلْكِ الفَتَى قد أسلم الحَيَّ حَاضِرُهْ


[٢٢] هذا البيت من كلام الحطيئة، وهو من شواهد سيبويه "١/ ١٠٩". والمنايا: جمع منية، وهي الموت، وأصلها فعيله بمعنى مفعوله، وفعلها "منى الله الأمر يمينه" على مثال قضاه يقضيه، ومعناه قدره وهيأ له الأسباب، سمى الموت بذلك لأنه من تقدير الله تعالى، والحاضر: الحي العظيم أو القوم، وقال ابن سيده: هو الحي إذا حضروا الدار التي بها مجتمعهم، ومنه قول الشاعر:
في حاضر لجب بالليل سامره ... فيه الصواهل والرايات والعكر
=

<<  <  ج: ص:  >  >>