للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "كيما أخافه" إلا أنه أدخل اللام توكيدًا، ولهذا المعنى كان الفعل منصوبًا فهذه الأشياء كلها تدل على صحة ما ذهبنا اليه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز النصب بها؛ لأن الكاف في "كما" كاف التشبيه أدخلت عليها "ما" وجُعِلَا بمنزلة حرف واحد كما أدخلت على رب وجُعِلَا بمنزلة حرف واحد، ويليها الفعل كربما، وكما أنهم لا ينصبون الفعل بعد ربما فكذلك ههنا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما البيت الأول فلا حجة لهم فيه؛ لأنه روي "كما أَخَفِّرُهَا" بالرفع؛ لأن المعنى جاءت كما أَجِيئُهَا، وكذلك رواه الفرَّاء من أصحابكم، واختار الرَّفْعَ في هذا البيت، وهو الرواية الصحيحة.

وأما البيت الثاني فلا حجة فيه أيضًا؛ لأن الرواية:

[٣٨٠]

لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر

وأما البيت الثالث فلا حجة فيه أيضًا؛ لأن الرواية فيه بالتوحيد:

[٣٨١]

لا تَظْلِمِ الناس كما لا تُظْلَمُ

كالرواية الأخرى:

٣٨١-

لا تَشْتُمِ الناس كما لا تُشْتَمُ

وأما البيت الرابع فليس فيه حجة أيضًا؛ لأن الرواة اتفقوا على أن الرواية "كما يوما تحدثُهُ" بالرفع كقول أبي النجم:

[٣٨٤]

قلت لشيبان: ادْنُ من لِقَائِهِ ... كما تُغَدِّي القوم من شِوَائِهِ


= بكما التي هي في الأصل كيما. ونقول: إن هذا البيت لا يصلح لاستدلال الكوفيين أصلًا، وذلك من عدة وجوه: الأول: ما ادّعاه المؤلف من أن الرواية على غير هذا الوجه وأنها "لكيما أخافه" وإن كنا لا نقر المؤلف على هذا، والثاني: أنه بعد تسليم صحة روايتهم يكون النصب باللام في قوله "لأخافه" لأنها لام التعليل وهي عندهم ناصبة بنفسها، أو بأن المضمرة بعد لام التعليل على ما هو مذهب البصريين، والقول بزيادة هذه اللام لا دليل عليه، والوجه الثالث: أنهم -أي الكوفيين- يقولون: إن كي لا تكون إلا مصدرية مثل أن، فمجيء اللام بعدها في مثل هذا الشاهد ينقض هذه المقالة؛ لأننا لو جعلنا اللام توكيدا لكي لم يصح لاختلاف معناهما حينئذ، إذ إن كي مصدرية واللام للتعليل، ولو جعلنا اللام بدلا من كي كانت كما في حكم الساقط من الكلام لأن المبدل منه على نية الطرح من الكلام، ويكون العمل للبدل الذي هو اللام، فيتعين عندهم أن تعتبر زائدة، وهذا ما لم يقم عليه دليل.
[٣٨٤] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من شواهد سيبويه "١/ ٤٦٠" وقد نسبهما إلى أبي النجم الفضل بن قدامة العجلي، وقد أقر الأعلم هذه النسبة، قال سيبويه "١/ ٤٥٩": =

<<  <  ج: ص:  >  >>