للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد "ولم أكن لأسمع مقالتها" وقدم منصوبَ لأسمع عليه، وفيه لام الجحود، فدلَّ على جوازه، وفيه أيضًا دليل على صحة ما ذهبنا إليه من أن لام الجحود هي العاملة بنفسها من غير١ تقدير "أن" إذ لو كانت أنْ ههنا مُقَدَّرَة لكانت مع الفعل بمنزلة المصدر، وما كان في صلة المصدر لا يتقدم عليه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الناصب "أن" المقدرة بعدها ما قَدَّمْناه في مسألة لام كي.

وأما الدليل على أنه لا يجوز إظهار "أن" بعدها فمن وجهين؛ أحدهما: أن قولهم: "ما كان زيد ليدخل، وما كان عمرو ليأكل" جواب فعل ليس تقديره تقدير اسم، ولا لفظه لفظ اسم؛ لأنه جواب لقول قائل "زيد سوف يدخل، وعمرو سوف يأكل" فلو قلنا "ما كان زيد لأن يدخل، وما كان عمرو لأن يأكل" بإظهار أن لكنا جعلنا مقابل سوف يدخل وسوف يأكل اسمًا؛ لأن أنْ مع الفعل بمنزلة المصدر وهو اسم؛ فلذلك٢ لم يجز إظهارها كما لا يجوز إظهار الفعل في قولك "إياك


= وأصل الكلام: ولم أكن أسمع مقالتها، ثم يبين هذا الفعل المحذوف الذي أضمره بقوله "لأسمعا" والسر في هذا الخلاف أن الكوفيين يقولون: الناصب للمضارع هو اللام التي للجحود، والبصريون يقولون: الناصب له هو أن المصدرية مضمرة بعد اللام، والمضارع صلة لأن المصدرية، ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول، ولكن هذه القاعدة منقوضة من أساسها، وإن كان قد ارتضاها الجمهور من الفريقين؛ فقد تقدم معمول الصلة على الموصول في قول العجاج:
ربيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا
فإن قوله "بالعصا" متعلق بقوله "أجلدا" وهو معمول لأن المصدرية، ونظيره قول ربيعة بن مقروم الضبي:
هلا سألت وخبر قوم عندهم ... وشفاء غيك خابرا أن تسألي
فإن قوله "خابرا" مفعول به تقدم على عامله وهو قوله "تسألي" المنصوب بأن المصدرية، وقد اضطر النحاة لتتم لهم قاعدتهم أن يقولوا: إن "خابرا" منصوب بفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور، وإن قول العجاج "بالعصا" متعلق بفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور بعده. ومثل هذين البيتين قول الآخر وسيأتي قريبا في كلام المؤلف "ص٥٩٦":
وإني امرؤ من عصبة خندفية ... أبت للأعادي أن تذل رقابها
وسنعود إلى هذه المسألة مرة أخرى، غير أنا نبادر فنقرر أنا لا نرى مع كثرة الشواهد التي تثبت في مسألة من المسائل أن نعرض عن الشواهد ثم نتمسك بالتعليل؛ لأن هذا عدول عن النص إلى القياس، وذلك لا يجوز، فاعرف هذا، ولا تغفل عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>