للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيدًا" والوجه الثاني: أن التقدير عندهم: ما كان زيد مُقَدِّرًا لأن يدخل أو نحو ذلك من التقدير الذي يوجب المستقبل من الفعل، و"أنْ" توجب الاستقبال، فاستغنى بما تضمن الكلام من تقدير الاستقبال عن ذكر "أنْ".

ومنهم من قال: إنما لم يجز إظهار "أن" بعدها لأنها صارت بدلا من اللفظ بها؛ لأنك إذا قلت "ما كان زيد ليدخل" كان نفيًا لسيدخل، كما لو أظهرت "أن" فقلت "ما كان زيد لأن يدخل" فلما صارت بدلا منها كما أن ألف الاستفهام بدل من واو القسم في قولهم: "أللهِ لأقومنَّ" لم يجز إظهارها؛ إذا كانت اللام بدلا منها فكأنها مظهرة.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قول الشاعر:

[٣٨٦]

..... ولم أكن ... مقالتها ما كنت حيا لأسمعا

فلا حجّة لهم فيه؛ لأن "مقالتها" منصوب بفعل مقدر، كأنه قال: ولم أكن لأسمع مقالتها، لا بقوله "لأسْمَعَا" كما قال الشاعر:

[٣٨٧]

وإني امرؤ عن عصبة خِنْدِفِيّةِ ... أَبَتْ للأَعَادِي أنْ تَدِيخَ رِقَابُها


[٣٨٧] هذا البيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "٩٣٦" وابن جني في شرح تصريف المازني "١/ ١٣٠" ولم يعزواه، والعصبة: الجماعة من الناس، وخندفية -بكسر الخاء والدال بينهما نون ساكنة- منسوبة إلى خندف، وهي امرأة إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأصل اسمها ليلى بنت حلوان -ويقال: لها بنت عمران بن الحاف بن قضاعة- لقبت خندف في قصة مشهورة، وأصل الخندفة الإسراع في السير، تقول "خندف الرجل خندفة -من مثال دحرج دحرجة" إذا أسرع، وقالوا: "خندف الرجل" إذا انتسب إلى خندف، وقال رؤبة:
إني إذا ما خندف المسمى
وظُلِمَ رجلٌ فنادى: يا لخندف، فخرج إليه الزبير بن العوام ومعه سيفه وهو يقول: أخندف إليك أيها المخندف، يريد أسرع إلى نصرتك أيها المعتزي إلى خندف، وتديخ بالدال المهملة، وبالذال المعجمة أيضًا، أي تذل وتخضع، ويروى "أن تذل رقابها" والاستشهاد بالبيت في قوله "أبت للأعادي أن تديخ رقابها" فإن ظاهره أن الجار والمجرور -وهو قوله "للأعادي"- متعلق بقوله "تديخ" المتأخر عنه المعمول لأن المصدرية، فيكون معمول صلة أن المصدرية قد تقدم على أن، ولما كان جمهور النحاة قد اتفقوا على أن معمول صلة أن المصدرية لا يجوز أن يتقدم عليها فإنهم جعلوا الجار والمجرور متعلقًا بفعل محذوف يقدر قبله ويكون المذكور تفسيرا وبيانا لذلك المحذوف، وأصل الكلام: أبت أن تديخ رقابها للأعادي، أن تديخ رقابها، فحذف أن المصدرية وصلتها وهو ينويهما، ثم دلَّ على هذا الذي حذفه بذكر أن المصدرية وصلتها، قال ابن يعيش "وقال الكوفيون: لام الجحد هي العاملة بنفسها، وأجازوا تقديم المفعول على الفعل المنتصب بعد اللام، نحو قولك: ما =

<<  <  ج: ص:  >  >>