للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخفض "القطر" على الجوار، وإن كان ينبغي أن يكون مرفوعًا؛ لأنه معطوف


= الذي تقدم في المسألة ٥٤ "وانظر الديوان ٨٦-٨٧" ورواية الأعلم "لعب الزمان بها.... إلخ" والسوافي: جمع سافية، وتطلق على الريح التي تسفي التراب، ويقال أيضًا على التراب الذي تسفيه الرياح، أي تذروه وتطيره وتهيجه، والمور -بضم الميم- هو التراب، والقطر -بفتح القاف وسكون الطاء- هو المطر، والاستشهاد بهذا البيت في قوله "والقطر" فإنه مجرور بدليل أن رويّ هذه القصيدة مجرور، فيسبق إلى الوهم أنه معطوف على "المور" لأنه هو المجرور بإضافة سوافي إليه، ولو عطف على المور للزم أن يكون معمولًا لسوافي؛ لأن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه، ويلزم أن يكون تقدير الكلام: سوافي المور وسوافي القطر، ومراد الشاعر أن الذي غير هذه الديار شيئان: أحدهما: الرياح التي تسفي عليها التراب، وثانيهما: المطر، وهذا المعنى لا يتأدى إلا بأن يكون "القطر" معطوفا على سوافي مع أنه ليس للمطر سوافين فيكون مرفوعًا في التقدير، وجره لمجاورته المجرور، فتقول: القطر معطوف على سواف، والمعطوف على المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة. والجر على الجوار واقع في العربية في بابي العطف والنعت -وزاد قوم في باب التوكيد أيضًا- فأما باب العطف فمنه هذا البيت، ومنه قول الآخر:
كم قد تمششت من قصّ وإنفحة ... جاءت إليك بذاك الأضؤن السود
تقول: تمششت العظم؛ إذا مصصت أطرافه، والقصّ -بفتح القاف- عظام الصدر، أو رأس الصدر، والإنفحة -بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الفاء- كرش الحمل أو الجدي إذا كان لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش، فقول الشاعر "وإنفحة" لا يجوز أن يكون معطوفا على "قص" لأنه لو كان معطوفا على قص لكان قوله تمششت عاملًا فيه، وقد علمت أن التمشش خاص بمص العظم، والإنفحة ليست عظمًا، فوجب أن يكون قوله "إنفحة" مفعولًا به لفعل محذوف، وتقدير الكلام: كم تمششت من عظم وأكلت إنفحة، ويكون إنفحة منصوبًا بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة.
وأما الجر إلى الجوار في باب النعت فمن شواهده قولهم "هذا جحر ضب خرب" -بجر خرب مع أنه نعت لجحر المرفوع؛ فخرب مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة، ونظيره قول امرئ القيس في معلقته:
كان ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
ثبير: اسم جبل، شبهه بكبير قوم مزمل في بجاد، فمزمل: نعت لكبير المرفوع على أنه خبر كأن، والرواية بجر مزمل بدليل رويّ القصيدة كلها، فهو مرفوع تبعًا لموصوفه وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة.
ونظيره قول دريد بن الصمة:
فجئت إليه والرياح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد
فدافعت عنه الخيل حتى تبددت ... وحتى علاني حالك اللون أسود
فأسود صفه لحالك اللون، وأسود مجرور بدليل الرويّ، وحالك اللون: مرفوع لأنه فاعل =

<<  <  ج: ص:  >  >>