كم قد تمششت من قصّ وإنفحة ... جاءت إليك بذاك الأضؤن السود تقول: تمششت العظم؛ إذا مصصت أطرافه، والقصّ -بفتح القاف- عظام الصدر، أو رأس الصدر، والإنفحة -بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الفاء- كرش الحمل أو الجدي إذا كان لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش، فقول الشاعر "وإنفحة" لا يجوز أن يكون معطوفا على "قص" لأنه لو كان معطوفا على قص لكان قوله تمششت عاملًا فيه، وقد علمت أن التمشش خاص بمص العظم، والإنفحة ليست عظمًا، فوجب أن يكون قوله "إنفحة" مفعولًا به لفعل محذوف، وتقدير الكلام: كم تمششت من عظم وأكلت إنفحة، ويكون إنفحة منصوبًا بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة. وأما الجر إلى الجوار في باب النعت فمن شواهده قولهم "هذا جحر ضب خرب" -بجر خرب مع أنه نعت لجحر المرفوع؛ فخرب مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة، ونظيره قول امرئ القيس في معلقته: كان ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل ثبير: اسم جبل، شبهه بكبير قوم مزمل في بجاد، فمزمل: نعت لكبير المرفوع على أنه خبر كأن، والرواية بجر مزمل بدليل رويّ القصيدة كلها، فهو مرفوع تبعًا لموصوفه وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة. ونظيره قول دريد بن الصمة: فجئت إليه والرياح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممدد فدافعت عنه الخيل حتى تبددت ... وحتى علاني حالك اللون أسود فأسود صفه لحالك اللون، وأسود مجرور بدليل الرويّ، وحالك اللون: مرفوع لأنه فاعل =