وأما الجر للمجاورة في باب التوكيد فقد ورد منه قول الشاعر، وهو من شواهد ابن هشام في الشذور. يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم ... أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب فإن قوله "كلهم" توكيد لذوي الواقع مفعولًا به لبلغ، وقد وردت الرواية بجر كل، وقد علمت أن التوكيد يتبع المؤكد في إعرابه؛ فكان حق العربية أن ينصب كلا، ولكنه لما وقع مجاورا للزوجات المجرور بالإضافة جره، فهذا الجر بسبب مجاورة الاسم المجرور. والنحاة يذكرون أن الجر بسبب مجاورة الاسم المجرور سواء أكان في النعت أم في العطف -شاذ، وهو في باب التوكيد أشد شذوذًا، لأنهم مختلفون في مجيئه في هذا الباب، وفي اعتباره فيه. [٣٩٠] القطن -بضم القاف وسكون الطاء- معروف، و"مستحصد الأوتار" من إضافة الصفة للموصوف، أي الأوتار المستحصدة، وتقول: هذا حبل أحصد -كأحمر- وحصد -كفرح- ومحصد -كمكرم- ومستحصد -بكسر الصاد- إذا كان قد أحكم فتله وصنعته، وهذا اللفظ يقال في كل ما أحكمت صناعته من الحبال والأوتار والدروع، وقالوا "هذا رجل محصد الرأي" أي سديد الرأي محكمه، على التشبيه، وقالوا: "هذا رأي مستحصد" أي محكم وثيق، وهو في هذا بفتح الصاد، وقال لبيد: وخصم كنادي الجن أسقطت شأوهم ... بمستحصد ذي مرة وضروع يريد برأي سديد وثيق محكم، ومحلوج: اسم المفعول من قولهم "حلج القطن يحلجه -من مثال ضرب ونصر" إذا ندفه، وقطن حليج ومحلوج: مندوف، أي قد استخرج منه الحب، وصانع ذلك هو الحلاج كالعطار والقصاب، وصناعته الحلاجة كالعطارة والقصابة، والمحلج والمحلجة والمحلاج: الخشبة أو الحجر الذي يندف عليه، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "محلوج" فإن الرواية فيه بالجر مع أنه نعت لقوله "قطنا المنصوب على أنه مفعول به لقوله "ضربت" وذلك لأن هذه الكسرة ليست الحركة التي اقتضاها العامل، وإنما هي كسرة المجاورة، فهو منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المجاورة. [٣٩١] هذا بيت من الرجز المشطور، وهو من شواهد سيبويه "١/ ٢١٧" وشواهد ابن جني في الخصائص "٣/ ٢٢١" وقد نسبه سيبويه إلى العجاج، وأقر الأعلم هذه النسبة، وقد =