للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدها فكذلك ههنا؛ إنْ هو العامل في جواب الشرط عند وجود فعل الشرط لا أنه عامل١ معه.

وأما من ذهب إلى أن حرف الشرط يعمل في فعل الشرط، وفعل الشرط يعمل في جواب الشرط، فقال: لأن حرف الشرط حرف جزم، والحروف الجازمة ضعيفة فلا تعمل في شيئين، فوجب أن يكون فعل الشرط هو العامل.

وهذا القول ضعيف أيضًا؛ لأنه يؤدي إلى إعمال الفعل في الفعل. وقولهم: "الحروف الجازمة ضعيفة فلا تعمل في شيئين" باطل؛ لما بينا من وجه مناسبته للعمل في الشرط وجوابه لاقتضائه لهما، بخلاف غيره من الحروف الجازمة؛ فإنها لما اقتضت فعلًا واحدًا عملت في شيء واحد، وحرف الشرط لما اقتضى شيئين وجب أن يعمل في شيئين قياسًا على سائر العوامل.

فأما من ذهب إلى أنه مبني على الوقف فقال: لأن الفعل المضارع إنما أعرب بوقوعه موقع الاسم، وجواب الشرط لا يقع موقع الاسم؛ لأنه ليس من مواضعه؛ فوجب أن يكون مبنيًّا على أصله، فكذلك فعل الشرط٢.

وهذا القول ليس بمعتدّ به عند البصريين؛ لظهور فساده؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعمتم لكان ينبغي أن لا يكون الفعل معربا بعد أن وكي وإذن، وكذلك أيضًا بعد لم ولما ولام الأمر ولا في النهي؛ لأن الاسم لا يقع بعد هذه الأحرف؛ فكان ينبغي أن يكون الفعل بعدها مبنيا؛ لأنه لم يقع موقع الاسم؛ فلما انعقد الإجماع في هذه المواضع على أنه معرب، وأنه منصوب بدخول النواصب ومجزوم بدخول الجوازم؛ دلَّ على فساد ما ذهب إليه.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: ١] فلا حجة لهم فيه؛ لأن قوله: {وَالْمُشْرِكِينَ} ليس معطوفًا على {الَّذِينَ كَفَرُوا} وإنما هو معطوف على قوله: {مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ} فدخله الجر لأنه معطوف على مجرور، لا على الجوار.

وأما قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] فلا حجة لهم فيه أيضًا؛ لأنه على قراءة من قرأ بالجر ليس معطوفا على قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] وإنما هو معطوف على قوله: {بِرُؤُوسِكُمْ} على أن المراد بالمسح في الأرجل الغسل، وقال أبو زيد


١ في ر "إلا أنه عامل معه" ولا يستقيم مع ما قرره.
٢ الظاهر أن عبارة "فكذلك فعل الشرط" مقحمة إذ لا مؤدى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>