للنسج، لا للعنكبوت، ومن ذلك قولهم:"جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ" فخفضوا خربًا على الجوار، وكان ينبغي أن يكون مرفوعًا؛ لكونه في الحقيقة صفة للجحر، لا للضّبّ، فكذلك ههنا: جواب الشرط كان ينبغي أن يكون مرفوعًا، إلا أنه جزم للجوار، ولهذا إذا حلت بينه وبين فعل الشرط بالفاء أو بإذا رجع إلى الرفع، وقال الله تعالى:{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً ولا رَهَقاً}[الج-ن: ١٣] وقال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[الروم: ٣٦] .
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن العامل هو حرف الشرط وذلك لأن حرف الشرط يقتضي جواب الشرط كما يقتضي فعل الشرط، وكما وجب أن يعمل في فعل الشرط فكذلك يجب أن يعمل في جواب الشرط.
وأما من ذهب إلى أن حرف الشرط وفعل الشرط يعملان في جواب الشرط فقال: إنما قلنا ذلك لأن حرف الشرط وفعل الشرط يقتضيان جواب الشرط؛ فلا ينفك أحدهما عن صاحبه، فلما اقتضياه معًا وجب أن يعملا فيه معًا؛ كما قلنا في الابتداء والمبتدأ أنهما يعملان في الخبر، فكذلك ههنا، غير أن هذا القول وإن اعتمد عليه كثير من البصريين فلا ينفك من ضعفٍ، وذلك لأن فعل الشرط فعل، والأصل في الفعل أن لا يعمل في الفعل، وإذ لم يكن للفعل تأثير في أن يعمل في الفعل، و"إنْ" له تأثير في العمل في الفعل؛ فإضافة ما لا تأثير له إلى ما له تأثير لا تأثير له.
والتحقيق فيه عندي أن يقال: إنَّ "إن" هو العامل في جواب الشرط بواسطة فعل الشرط؛ لأنه لا ينفك عنه؛ فحرف الشرط يعمل في جواب الشرط عند وجود فعل الشرط، لا به، كما أن النار تسخن الماء بواسطة القدر والحطب؛ فالتسخين إنما حصل عند وجودهما، لا بهما؛ لأن التسخين إنما حصل بالنار
= حية مؤنث وما بعدها مذكر" ا. هـ، وفي هذه الكلام شيآن: الأول: أنه جعل خلاف الخليل وسيبويه في المضاف والمضاف إليه، والأعلم يجعله في المتجاورين اللذين هما المضاف إليه وما جر لمجاورته إياه، ويمكن في كلام سيبويه أن يحمل على كل واحد من هذين، لكني أستبعد أن يكون الخلاف بينهما في مساواة المضاف والمضاف إليه فيما ذكرنا، بل ينبغي أن يكون الخلاف بينهما في المتجاورين على ما فهمه الأعلم، والثاني: أن هذا البيت مثل بيت العجاج؛ لأن الحية يقال على الذكر وعلى الأنثى، والعرب تقول: حيّة ذكر، فيجوز أن يقال: إنه عنى هنا الحية الذكر، والبطن مذكر، فقد اتفق المضاف والمضاف إليه على كلام ابن جني، ويجوز أن يقال: إن هموز مذكر لكونه وصفًا للحية الذكر، والوادي مذكر، فاتفق المتجاوران تذكيرًا وتأنيثًا على ما هو كلام الأعلم، فاعرف هذا وتنبه له.