للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لا يدل على جواز تقديم الاسم المرفوع بالفعل عليه؛ لأنه يؤدي إلى أن يتقدم ما يرتفع بالفعل عليه، وذلك لا يجوز؛ لأنه لا نظير له في كلامهم، فوجب أن يكون مرفوعًا بتقدير فعل، ويكون الفعل الظاهر مفسرًا له، بلى لما كانت "إن" هي الأصل اختصت بجواز تقديم المرفوع١ بتقدير فعل مع الفعل الماضي خاصة، دون غيرها من الأسماء والظروف التي يجازى بها؛ لأنها هي الأصل، وتلك الأسماء والظروف فرع عليها، والأصل يتصرف ما لا يتصرف الفرع، ألا ترى أن همزة الاستفهام لما كانت هي الأصل في حروف الاستفهام جاز فيها ما لم يجز في غيرها من حروف الاستفهام؟ فكذلك ههنا.

وأما قول عدي:

[٣٩٧]

فمتي وَاغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو ... هُ وتُعْطَفْ عليه كأس الساقي

وقال الآخر:

[٣٩٨]

صعدة نابتة في حائرٍ ... أينما تُمَيِّلْهَا تَمِلْ


[٣٩٧] هذا البيت من كلام عدي بن زيد العبادي، وهو من شواهد سيبويه "١/ ٤٥٨" وابن يعيش "ص١٢١٤" ورضي الدين في باب الاشتغال وباب الجوازم من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "١/ ٤٥٦ و٣/ ٦٣٩" والواغل -بالغين المعجمة- وهو الرجل يدخل على الشرب من غير أن يدعوه، يقال: وغل يغل -من مثال وعد يعد- وغلا فهو واغل وهو أيضًا وغل -بسكون الغين- والذي يدخل على القوم وهم يأكلون من غير أن يدعوه أحد يقال له: وارش، أو طفيلي، وينبهم: أي ينزل بهم، ويروى في مكانه "يزرهم" ويروى أيضًا "يجبهم" و"تعطف" مضارع مبني للمجهول، والكأس: وعاء الخمر، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "متى واغل ينبهم" فإن الشاعر فصل بالاسم المرفوع بين أداة الشرط وفعل الشرط، وقد خرجه النحاة على أن هذا الاسم المرفوع فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعد، وتقدر الكلام: متى ينبهم واغل ينبهم، قال الأعلم "الشاهد فيه تقديم الاسم على الفعل في متى، مع جزمها له، ضرورة، وارتفاع الاسم بعدها بإضمار فعل يفسره الظاهر، لأن الشرط لا يكون إلا بالفعل" ا. هـ. وفي عبارته هذه مؤاخذة؛ لأنه -وقد جعل الاسم المرفوع بعد أداة الشرط معمولا لفعل محذوف يلي أداة الشرط- لا يكون الاسم المرفوع متقدمًا، بل هو -على هذا- واقع في موقعه، فتنبه لهذا.
[٣٩٨] هذا البيت من كلام كعب بن جعيل بن قمير -بضم أولهما على زنة التصغير- ابن عجرة، أحد بني تغلب بن وائل، وهو شاعر إسلامي كان في عهد معاوية بن أبي سفيان

<<  <  ج: ص:  >  >>